افتتحت كلامها بحمد الله والثناء عليه ، ثم قالت : «(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) التوبة / ١٢٨ ، فإن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمي دون رجالكم ، فبلغ الرسالة ، صادعا بالنذارة ، مائلا عن مدرجة المشركين ، ضاربا لحدتهم ، يجذ الأصنام ، وينكث الهام ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، حتى تفرى الليل عن صبحه ، وأسفر الحق عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين ، وتمت كلمة الإخلاص ، وكنتم على شفا حفرة من النار ، نهزة الطامع ومذقة الشارب ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون القد ، أذلة خاسئين ، حتى استنقذكم الله ورسوله ، بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مني ببهم الرجال ، وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب ، كلما أوقدوا نارا للحرب ، وفغرت فاغرة ، قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفي ، حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويطفئ عادية لهبها بسيفه ، وأنتم في رفاهية آمنون ، وادعون حتى اذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه ، اطلع الشيطان رأسه ، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرة ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم غضابا فوسمتم غير إبلكم ، ووردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل ، إنما زعمتم خوف الفتنة ، (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) التوبة / ٤٩ ، ثمّ لم تلبثوا حيث تسرون حسوا في ارتغاء ونصبر منكم على مثل حز المدى ، وأنتم تزعمون أنّ لا إرث لنا ، أفحكم الجاهلية تبغون ، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة / ٥٠.
يا معشر المسلمين أأبتز إرث أبي؟ أبى الله أن ترث أباك ، ولا أرث أبي ، لقد جئت شيئا فريا ، فدونكها مرحولة مخطومة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم