خرجا من عندي آنفا ، وما أدري أين هما؟ فقد طار عقلي ، وقلق فؤادي ، وقل صبري» ، وبكت وشهقت حتّى علا بكاؤها ، فرحمها ورقّ لها ، وقال : «لا تبكي ، يا فاطمة! فو الذي نفسي بيده ، إنّ الذي خلقهما هو ألطف بهما منك ، وأرحم بصغرهما منك».
ثمّ قام من ساعته ، ورفع يديه إلى السماء ، وقال «اللهمّ! إنّهما ولداي وقرّة عيني ، وثمرة فؤادي ، وأنت أرحم بهما وأعلم بموضعهما ، يا لطيف! بلطفك الخفي ، أنت عالم الغيب والشهادة ، اللهمّ! إن كانا أخذا برّا وبحرا فاحفظهما وسلّمهما حيثما كانا ، وحيثما توجّها».
فما استتم رسول الله دعاءه ، حتّى هبط جبرئيل من السماء ، ومعه عظماء الملائكة وهم يؤمنون على دعاء النبيّ ، فقال جبرئيل : يا حبيبي! يا محمد! لا تحزن ، ولا تغتم ، وابشر فإنّ ولديك فاضلان في الدّنيا ، وفاضلان في الآخرة ، وأبوهما خير منهما ، وهما نائمان في حظيرة ـ بني النجار ـ قد وكل الله بهما ملكا يحفظهما ، فلما قال جبرئيل ذلك ، سرى عنه ، وقام ومعه أصحابه ، وهو فرح حتّى أتوا حظيرة ـ بني النجار ـ ، فإذا الحسن والحسين نائمان ، وإذا الحسين معانق للحسن ، وإذا الملك الموكل قد وضع أحد جناحيه في الأرض ، وطاء تحتهما يقيهما من حرّ الأرض ، وجللهما بالجناح الآخر ، غطاء يقيهما حرّ الشمس ، فانكبّ عليهما النبيّ صلىاللهعليهوآله يقبلهما واحدا فواحدا ، ويمسحهما بيده حتّى أيقظهما من نومهما ، فلما أيقظهما حمل النبيّ الحسن على عاتقه ، وحمل جبرئيل الحسين على ريشة من جناحه ، حتّى خرجا بهما من الحظيرة ، والنبيّ صلىاللهعليهوآله يقول : «والله لأشرّفنكما اليوم كما شرّفكما الله تعالى في سماواته».
فبينما النبيّ وجبرائيل يمشيان حاملين لهما ، وقد تمثّل جبرائيل ـ بدحية