فقال الرجل : أقبل ، يا ابن رسول الله! اليسير ، وأشكر العطيّة ، وأعذر على المنع ، فدعا الحسين بوكيله ، وجعل يحاسبه على نفقاته حتى استقصاها ، ثم قال له : «هات الفاضل من الثلاثمائة ألف»؟ فأحضر خمسين ألفا ، قال : «فما فعلت الخمسمائة دينار»؟ قال : هي عندي ، قال : «أحضرها» ، قال : فدفع الدراهم والدنانير إلى الرجل ، وقال : «هات من يحمل معك هذا المال ، فأتاه بالحمالين فدفع إليهم الحسين رداءه لكراء حملهم ، حتى حملوه معه. فقال مولى له : والله ، ما بقي عندنا درهم واحد ، فقال : «لكني أرجو أن يكون لي بفعلي هذا أجر عظيم».
٢٨ ـ وقيل : خرج الحسن عليهالسلام إلى سفر فأضلّ طريقه ليلا ، فمرّ براعي غنم فنزل عنده فألطفه وبات عنده ، فلمّا أصبح دلّه على الطريق.
فقال له الحسن : «إني ماض إلى ضيعتي ، ثمّ أعود إلى المدينة» ، ووقّت له وقتا ، وقال له : تأتيني به ، فلمّا جاء الوقت شغل الحسن بشيء من اموره عن قدوم المدينة ، فجاء الراعي وكان عبدا لرجل من أهل المدينة ، فصار إلى الحسين وهو يظنه الحسن ، فقال : أنا العبد الذي بت عندي ليلة كذا ، ووعدتني أن أصير إليك في هذا الوقت ، وأراه علامات عرف الحسين أنّه الحسن ، فقال الحسين له : «لمن أنت يا غلام»؟ فقال : لفلان ، فقال : كم غنمك؟ قال : ثلاثمائة ، فأرسل إلى الرجل فرغبه حتّى باعه الغنم والعبد ، فأعتقه ووهب له الغنم مكافأة لما صنع مع أخيه ، وقال : «إن الذي بات عندك أخي ، وقد كافأتك بفعلك معه».
٢٩ ـ وقال الحسن البصري : كان الحسين بن عليّ سيدا زاهدا ورعا صالحا ناصحا حسن الخلق ، فذهب ذات يوم مع أصحابه إلى بستانه ، وكان في ذلك البستان غلام له ، اسمه «صاف» فلما قرب من البستان رأى الغلام