قال : «أتاني يوما حبيبي جبرئيل ، فقال : يا محمد! إن امتك تقتل ابنك ـ حسينا ـ وقاتله لعين هذه الأمة» ، ولقد لعن النبي صلىاللهعليهوآله قاتل حسين مرارا ، فانظر يا بني! ثم انظر أن تتعرض له بأذى ، فإنه مزاج ماء رسول الله ، وحقه والله ، يا بنيّ! عظيم ، وقد رأيتني كيف كنت أحتمله في حياتي ، وأضع له رقبتي ، وهو يجبهني بالكلام القبيح الذي يوجع قلبي ، فلا اجيبه ولا أقدر له على حيلة ، لأنه بقية أهل الله بأرضه في يومه هذا ، وقد أعذر من أنذر.
ثمّ أقبل ـ معاوية ـ على ـ الضحاك بن قيس الفهري ؛ ومسلم بن عقبة المري ـ وهما من اعظم قواده ، وهما اللذان كانا يأخذان البيعة ليزيد ، فقال لهما : اشهدا على مقالتي هذه ، فو الله ، لو فعل بي الحسين وفعل ، لاحتملته ، ولم يكن الله تعالى يسألني عن دمه ، أفهمت عني يا بني! ما أوصيتك به؟
قال : قد فهمت يا أمير المؤمنين! ثم قال معاوية : وانظر إلى ـ أهل الحجاز ـ فإنهم أصلك ، وفرعك فأكرم من قدم عليك منهم ، ومن غاب عنك فلا تجفهم ولا تعقهم ، وانظر إلى ـ أهل العراق ـ فإنهم لا يحبونك أبدا ، ولا ينصحونك ، ولكن دارهم ما أمكنك واستطعت ، وإن سألوك أن تعزل عنهم في كل يوم عاملا فافعل ، فإن عزل عامل واحد أيسر عليك ، وأخف من أن يشهروا عليك مائة ألف سيف ، وانظر يا بني ـ أهل الشام ـ ، فإنهم بطانتك وظهارتك ، وقد بلوتهم وخبرتهم وعرفت نياتهم ، وهم : صبر عند اللقاء ، حماة في الوغى ، فإن دار بك أمر من عدوّ يخرج عليك فانتصر بهم ، فإذا أصبت منهم حاجتك فارددهم إلى بلادهم يكونوا بها إلى وقت حاجتك إليهم.
قال : ثم تنفّس الصعداء ، ثمّ غشي عليه ، فلم يفق من غشيته يومه