ذلك ، فلما أفاق قال : اوه (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) الإسراء / ٨١ ، ثم جعل يقول :
إن تناقش يكن نقاشك يا رب |
|
عذابا لا صبر لي بالعذاب |
أو تجاوز فأنت ربّ رحيم |
|
عن مسيء ذنوبه كالتراب |
ثمّ التفت إلى أهل بيته وقرابته وبني عمّه ، فقال : اتقوا الله حق تقاته ، فإنّ تقوى الله جنة حصينة ، وويل لمن لم يتّق الله من عذابه ، وأليم عقابه ، ثم قال : اعلموا أني كنت بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله ذات يوم ، وهو يقلّم أظفاره ، فأخذت القلامة ، وأخذت بمشقص من شعره على الصفا ، وجعلتها في قارورة هي عندي ، فاجعلوا أظفاره وشعره في فمي واذني وصلّوا عليّ وواروني في حفرتي ، وذروني وربي فإنّه غفور رحيم.
ثمّ انقطع كلامه فلم ينطق بشيء (١).
قال : وكان يزيد خرج من يومه ذلك إلى «حوران» موضع من الشام ليتصيد هنالك ، وقال للضحاك بن قيس : انظر ، لا تخف عليّ شيئا من أمر أمير المؤمنين ، فتوفي معاوية في غد ذلك اليوم ، وليس يزيد عنده ، فكان ملكه تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر ، وتوفي ـ بدمشق ـ يوم الأحد لأيام خلت من شهر رجب سنة ستين وهو ابن ثمان وسبعين سنة.
قال : ثمّ خرج الضحاك بن قيس من دار معاوية وهو لا يكلّم أحدا ، والأكفان معه ، فدخل المسجد الأعظم ، ونودي له في الناس ، فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ، ثم قال: أيها الناس! إنّ أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان قد ذاق الموت ، وشرب كأس الحتف ، وهذه أكفانه ، نحن مدرجوه فيها ، ومدخلوه قبره ، ومخلون بينه وبين عمله ، فمن كان منكم يريد أن
__________________
(١) هذا الخبر يناقض ما بعده من كون يزيد بحوران.