أسألك بالله يا أبا عبد الرّحمن! أعندك أني على خطأ من أمري هذا ، فإن كنت على خطأ فردني عنه ، فإني أرجع وأسمع وأطيع».
فقال ابن عمر : اللهمّ! لا ، ولم يكن الله تبارك وتعالى ليجعل ابن بنت رسوله على خطأ ، وليس مثلك في طهارته وموضعه من الرسول ، أن يسلم على يزيد بن معاوية باسم الخلافة ، ولكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الحسن الجميل بالسيوف ، وترى من هذه الامة ما لا تحب ، فارجع معنا إلى المدينة ، وإن شئت أن لا تبايع فلا تبايع أبدا ، واقعد في منزلك.
فقال له الحسين : «هيهات ، يا بن عمر! إنّ القوم لا يتركوني ، إن أصابوني وإن لم يصيبوني ، فإنهم يطلبوني ابدا حتى ابايع وأنا كاره ، أو يقتلوني ، ألا تعلم ، أبا عبد الرحمن! أنّ من هوان هذه الدنيا على الله أن يؤتى برأس ـ يحيى بن زكريا ـ إلى بغي من بغايا بني إسرائيل ، والرأس ينطق بالحجة عليهم ، فلم يضر ذلك يحيى بن زكريا بل ساد الشهداء ، فهو سيدهم يوم القيامة؟ ألا تعلم ، أبا عبد الرحمن أن ـ بني إسرائيل ـ كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ـ سبعين نبيا ـ ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون ، كأنهم لم يصنعوا شيئا ، فلم يعجل الله عليهم ، ثم أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر ذي انتقام؟ فاتّق الله ، يا أبا عبد الرحمن! ولا تدعن نصرتي ، واذكرني في صلاتك ، فو الذي بعث جدي محمدا بشيرا ونذيرا ، لو أن أباك ـ عمر بن الخطاب ـ أدرك زماني ، لنصرني كما نصر جدي ، ولقام من دوني كقيامه من دون جدي ، يا بن عمر! فإن كان الخروج معي يصعب عليك ويثقل ، فأنت في أوسع العذر ، ولكن لا تتركن لي الدعاء في دبر كلّ صلاة واجلس عن القوم ولا تعجل بالبيعة لهم ، حتّى تعلم ما تؤول إليه الامور». ثم أقبل على عبد الله بن عبّاس ، وقال له :