«وأنت ، يا بن عبّاس! ابن عمّ أبي ، ولم تزل تأمر بالخير مذ عرفتك ، وكنت مع أبي تشير عليه بما فيه الرشاد والسداد ، وقد كان أبي يستصحبك ويستنصحك ويستشيرك ، وتشير عليه بالصواب ، فامض إلى المدينة في حفظ الله ، ولا تخف عليّ شيئا من أخبارك ، فإني مستوطن هذا الحرم ومقيم به ، ما رأيت أهله يحبونني وينصرونني ، فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم ، واستعصمت بالكلمة التي قالها ـ إبراهيم ـ يوم القي في النّار : حسبي الله ونعم الوكيل ، فكانت النار عليه بردا وسلاما».
فبكى ابن عبّاس ؛ وابن عمر ذلك الوقت بكاء شديدا ، وبكى الحسين معهما ، ثمّ ودّعهما فصار ابن عبّاس وابن عمر إلى المدينة ، وأقام الحسين بمكة ولزم الصلاة في الصلاة.
قال : ولما علم بحال ـ الحسين ـ وإقامته ـ بمكة ـ اجتمعت ـ الشيعة ـ بالكوفة في منزل ـ سليمان بن صرد الخزاعي ـ ، فلما تكاملوا في منزله قام فيهم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي فصلّى عليه ، ثم ذكر أمير المؤمنين ومناقبه وترحم عليه ، ثم قال : يا معشر الشيعة! إنكم علمتم أن معاوية قد هلك ، فصار إلى ربه وقدم على عمله وسيجزيه الله تعالى بما قدم من خير وشر ، وقد قعد بموضعه ابنه يزيد ، وهذا الحسين بن علي قد خالفه وصار إلى «مكة» هاربا من طواغيت ـ آل أبي سفيان ـ ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله ، وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرّجل من نفسه ، فقال القوم : بل ، نأويه وننصره ، ونقاتل عدوه ، ونقتل أنفسنا دونه ، حتّى ينال حاجته ، فأخذ عليهم ـ سليمان بن صرد ـ على ذلك عهدا وميثاقا أنهم لا يغدرون ولا ينكثون ، ثم قال : فاكتبوا إليه الآن كتابا