ثم جاء ابن زياد حين أصبح عائدا ، فجعل يسأله ، وهم مسلم أن يخرج عليه فيقتله ، فمنعه صاحب المنزل هانئ ، وقال له : جعلت فداك ، إن في داري نسوة وصبية ، وإني لا آمن الحدثان ، فأمسك مسلم عن ذلك ، وجعل شريك يرمق الداخلة وينشد :
ما الانتظار بسلمى أن تحييها |
|
فحيّ سلمى وحيّ من يحييها |
ثم اسقنيها وإن تجلب عليّ ردى |
|
فتلك أحلى من الدّنيا وما فيها |
وفي رواية : أنه كان يقول : اسقوني شربتي ، ولو كان فيها منيتي ، من غير أن يقول البيتين ، فقال ابن زياد : ما يقول الشيخ؟ فقيل : إنه مبرسم ، فوقع في قلب ابن زياد شيء ، فركب من ساعته ، ورجع إلى القصر ، وخرج مسلم إلى شريك من داخل الدار ، فقال شريك : ما منعك من الخروج إلى هذا الفاسق؟ وقد أمرتك بقتله ، وشغلته لك بالكلام ، فقال : منعني من ذلك حديث سمعته من عمي عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : «الإيمان قيد الفتك» ، على أني لم احب أن أقتله في منزل هذا الرجل ، فقال له شريك : لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا منافقا كافرا.
فلم يلبث شريك بعد ذلك ثلاثة أيام ، حتّى مات (رحمهالله) ، وكان من خيار الشيعة وعبّادها ، غير أنه كان يكتم ذلك إلّا عن من يثق به من إخوانه.
فخرج ابن زياد وصلّى عليه ، ورجع إلى قصره ، فلما كان من الغد أقبل معقل إلى مسلم بن عوسجة ، فقال له : إنّك قد كنت وعدتني أن تدخلني على هذا الرجل ، فأدفع إليه هذا المال ، فما الذي بدا لك من ذلك؟ فقال له : إنا اشتغلنا بموت هذا الرجل ، شريك بن عبد الله ، وقد كان من خيار الشيعة ، ويتولى أهل هذا البيت ، فقال له معقل : ومسلم بن عقيل في