باهلة! أنت أولى بالحميم ؛ والخلود في نار الجحيم ؛ إذ آثرت طاعة آل أبي سفيان على طاعة آل محمد.
ثم قال : ويحكم ، يا أهل الكوفة! اسقوني شربة من ماء ، فأتاه غلام لعمرو بن حريث المخزومي بقلة فيها ماء وقدح من قوارير ، فصب القلّة في القدح وناوله ، فأخذ مسلم القدح بيده ، فكلما أراد أن يشرب امتلأ القدح دما ، فلم يقدر أن يشرب من كثرة الدم ، وسقطت ثنيتاه في القدح ، فامتنع من شرب ذلك الماء.
وفي رواية : أن محمد بن الأشعث لما أعطاه الأمان رمى بسيفه ، فأخذوه وحملوه على بغلة فدمعت عيناه ، فقال محمّد : إني لأرجو أن لا بأس عليك ، فقال : ويحك ، ما هو إلّا الرجاء ، فأين أمانكم؟ إنا لله وإنا إليه راجعون ، وبكى فقال ـ عبيد الله بن العبّاس السلمي ـ : من يطلب مثل الذي طلبت لا يبكي ، فقال : إني ، والله ، ما على نفسي أبكي ، لكني أبكي على أهلي المقبلين إليكم ، أبكي على الحسين وآل الحسين.
ولما ركب على البغلة ونزع منه السيف استرجع وقال : هذا أوّل الغدر ، وآيس من نفسه ، وعلم أن لا أمان له من القوم ، فقال لمحمد بن الأشعث : إني لأظنك أن تعجز عن أماني ، أفتستطيع أن تبعث رجلا عن لساني يبلغ حسينا فإني لا أراه إلّا قد خرج إلى ما قبلكم ، هو وأهل بيته ، فيقول له : إنّ مسلما بعثني إليك ، وهو أسير في يد العدو ، يذهبون به إلى القتل ، فارجع بأهلك ولا يغرنّك أهل الكوفة ، فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل. إن أهل الكوفة قد كذبوني ، فكتبت إليك وليس لمكذوب رأي ، فقال محمد : والله ، لأفعلن ، ودعا ـ بإياس الطائي ـ وكتب معه إلى الحسين ما قاله مسلم عن لسان مسلم ، وأعطاه راحلة