الجاش ، فكفيت ووفيت ، وقد سألت رسوليك فوجدتهما كما زعمت ، وقد أمرت لكلّ واحد منهما بعشرة آلاف درهم وسرّحتهما إليك ، فاستوص بهما خيرا ، وقد بلغني : أنّ الحسين بن علي قد عزم على المصير إلى العراق ، فضع المراصد والمناظر والمسالح ، واحترس واحبس على الظن ، واقتل على التهمة ، واكتب في ذلك إليّ كلّ يوم بما يحدث من خبر.
قال : وبلغ الحسين : أنّ مسلم بن عقيل قد قتل ، وذلك أنه قدم عليه رجل من أهل الكوفة ، فسأله : عن مسلم؟ فقال : والله ، يا ابن رسول الله! ما خرجت من الكوفة ، حتى نظرت إلى مسلم بن عقيل ، وهانئ بن عروة المذحجي ، قتيلين جميعا مصلوبين منكسين في سوق القصابين ، وقد وجّه برأسيهما إلى يزيد.
فاستعبر الحسين باكيا ، ثمّ قال : «إنا لله وإنا إليه راجعون» ، وعزم على المسير الى العراق ، فدخل عليه ـ عمر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي ـ ، فقال : يا ابن رسول الله! أتيتك لحاجة اريد أن أذكرها لك ، وأنا غير غاش لك فيها ، فهل لك أن تسمعها؟ فقال : «قل : ما أحببت» فقال : أنشدك الله ، يا ابن عم! أن لا تخرج إلى العراق ، فإنهم من قد عرفت ، وهم أصحاب أبيك ، وولاتهم عندهم ، وهم يجبون البلاد ، والناس عبيد المال ، ولا آمن أن يقاتلك من كتب إليك يستقدمك.
فقال الحسين : «سأنظر فيما قلت ، وقد علمت أنك أشرت بنصح ، ومهما يقض الله من أمر فهو كائن البتة ، أخذت برأيك أم تركت» فانصرف عنه عمر بن عبد الرّحمن ، وهو يقول :
ربّ مستنصح سيعصي ويؤذي |
|
ونصيح بالغيب يلفى نصيحا |
وقدم ابن عباس في تلك الأيام إلى مكة ، وقد بلغه أن الحسين عزم