ليالي صفين ، ولأن رضي عني أحبّ إلي من أن تكون لي حمر النعم.
٥ ـ وذكر الإمام أحمد بن أعثم الكوفي : أنّ الفرزدق إنما لقيه «بالشقوق» فسلّم عليه الفرزدق ، ثمّ دنا منه فقبّل يده ، فقال له الحسين : «من أين أقبلت يا أبا فراس»؟ فقال : من الكوفة يا بن رسول الله! قال : «فكيف خلفت أهل الكوفة»؟ قال : خلفت قلوب النّاس معك ، وسيوفهم مع بني اميّة ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل في خلقه ما يشاء ، فقال له الحسين : «صدقت وبررت ، إن الأمر لله تبارك وتعالى كلّ يوم هو في شأن ، فإن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلن يبعد من الحق بغيته».
فقال الفرزدق : جعلت فداك يا ابن رسول الله؟ كيف تركن إلى أهل الكوفة ، وهم الذين قتلوا ابن عمّك مسلم بن عقيل وشيعته؟ فاستعبر الحسين باكيا ، ثم قال : «رحم الله مسلما فلقد صار إلى روح الله وريحانه ، وتحيته وغفرانه ورضوانه ، أما إنه قضى ما عليه ، وبقي ما علينا». ثم أنشأ في ذلك يقول :
«فإن تكن الدّنيا تعدّ نفيسة |
|
فإنّ ثواب الله أعلى وأنبل |
وإن تكن الأبدان للموت أنشئت |
|
فقتل امرئ في الله بالسيف أفضل |
وإن تكن الأرزاق قسما مقدرا |
|
فقلة حرص المرء في الرزق أجمل |
وإن تكن الأموال للترك جمعها |
|
فما بال متروك به المرء يبخل»؟ |
ثم ودعه الفرزدق في نفر من أصحابه ، ومضى يريد مكة ، فأقبل عليه ابن عم له من ـ بني مجاشع ـ ، فقال له : يا أبا فراس أهذا الحسين بن علي؟ فقال له الفرزدق : هذا الحسين بن فاطمة الزهراء بنت محمّد المصطفى صلىاللهعليهوآله ، هذا والله ، خيرة الله وأفضل من مشى على وجه الأرض من خلق الله ، وقد