سمعته البارحة؟ فقال لها : «وما ذاك يا اختاه»؟ فقالت : إني خرجت البارحة في بعض اللّيل لقضاء حاجة ، فسمعت هاتفا يقول :
ألا يا عين فاحتفلي بجهد |
|
فمن يبكي على الشهداء بعدي |
على قوم تسوقهم المنايا |
|
بمقدار إلى انجاز وعد |
فقال لها الحسين : «يا اختاه! كلّ ما قضي فهو كائن» ، وسار الحسين حتى نزل «الثعلبية» وذلك في وقت الظهيرة ، ونزل أصحابه فوضع رأسه فأغفى ، ثمّ انتبه باكيا من نومه ، فقال له ابنه «علي بن الحسين» : «ما يبكيك يا أبة؟ لا أبكى الله عينيك» ، فقال له : «يا بني! هذه ساعة لا تكذب فيه الرؤيا ، فاعلمك أني خفقت برأسي خفقة ، فرأيت فارسا على فرس وقف عليّ وقال : يا حسين! إنكم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى الجنّة ، فعلمت أنّ أنفسنا نعيت إلينا» ، فقال له ابنه عليّ : «يا أبة! أفلسنا على الحق»؟ قال : «بلى ، يا بني! والذي إليه مرجع العباد» ، فقال ابنه عليّ : إذن لا نبالي بالموت ، فقال له الحسين : «جزاك الله يا بني! خير ما جزى به ولدا عن والده».
ولما أصبح إذا برجل من أهل الكوفة ، يكنى ـ أبا هرة الأزدي ـ قد أتاه فسلّم عليه ، ثمّ قال له : يا ابن رسول الله! ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدّك محمّد صلىاللهعليهوآله؟ فقال له الحسين : «يا أبا هرّة! إنّ بني اميّة قد أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، يا أبا هرة! لتقتلني الفئة الباغية ، وليلبسنّهم الله تعالى ذلا شاملا ، وسيفا قاطعا ، وليسلطن الله عليهم من يذلّهم ، حتّى يكونوا أذل من قوم «سبأ» إذ ملكتهم امرأة منهم ، فحكمت في أموالهم ودمائهم».
ثمّ سار الحسين حتى نزل «قصر بني مقاتل» فإذا هو بفسطاط