انصرفت عنكم إلى المكان الذي منه جئت إليكم».
فقال الحرّ : والله ، إنا ما ندري بهذه الكتب التي تقول؟ فقال الحسين : «يا عقبة بن سمعان! اخرج إليّ الخرجين» فأخرجهما ، وأتى بهما مملوءين من كتب أهل الكوفة ، فنثر الكتب بين يديه ، فقال الحر : إنا لسنا من هؤلاء ، فبيناهم على تلك الحال وإذا كتاب ورد من الكوفة من عبيد الله بن زياد إلى الحر بن يزيد الرياحي : أما بعد ـ يا حرّ! فإذا أتاك كتابي هذا فجعجع بالحسين بن علي ، ولا تفارقه حتى تأتيني به ، فإني قد أمرت رسولي: أن يلزمك ولا يفارقك حتى تأتي بانفاذ أمري إليك ، والسلام.
فلما قرأ الحرّ الكتاب بعث إلى ثقات أصحابه فدعاهم ، ثمّ قال : ويحكم ، إنه قد ورد عليّ كتاب عبيد الله بن زياد يأمرني أن أقدم على الحسين بما يسوؤه ، ولا والله ، ما تطاوعني نفسي ، ولا تجيبني إلى ذلك أبدا ، فالتفت رجل من أصحاب الحر يكنى : «أبا الشعثاء الكندي» إلى رسول ابن زياد ، وقال له : فيم جئت ثكلتك امك؟ فقال له الرسول : أطعت إمامي ، ووفيت ببيعتي ، وجئت برسالة أميري ، فقال له أبو الشعثاء : لعمري ، لقد عصيت ربّك ، وإمامك ، وأهلكت نفسك ، واكتسبت ، والله عارا ونارا ، فبئس الإمام إمامك الذي قال فيه الله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) القصص / ٤١ ، ودنت صلاة العصر ، فأمر الحسين مؤذنه أيضا بالأذان فأذّن ، وأقام ، وتقدّم الحسين فصلّى بالعسكرين ، فلما انصرف من صلاته وثب قائما على قدميه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أما بعد ، أيها الناس! فإنكم إن تتقوا الله تعالى ، وتعرفوا الحق لأهله ، يكن رضاء الله عنكم ، وإنا أهل بيت نبيكم محمد صلىاللهعليهوآله أولى بولاية هذه الامور عليكم ، من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالظلم والجور