قال : واستوثق الأمر لعبد الله بن الزبير في الحجاز والعراق والبصرة والكوفة فبعث أخاه مصعب بن الزبير على البصرة واجتمع أهل الكوفة على عامر بن مسعود بن اميّة بن خلف الجمحي فبايعوه ليكون أميرا من قبل عبد الله بن الزبير ، وكان المختار عند عبد الله بن الزبير ، فلم يستشره في شيء على شرطه ، فكان في قلبه أن يخرج على ابن الزبير ، وكان يقدم في ذلك ويؤخر ، حتى قدم هانئ بن حيّة الهمداني مكة للعمرة ، فسأله المختار عن أهل الكوفة ، فقال : هي مستوسقة لعبد الله بن الزبير ، فقال له : أخبرني يا أخا همدان! عن سليمان بن صرد وأصحابه ، هل شخصوا إلى قتال المحلّين؟ قال : لا ما شخصوا وإنه لعازم على ذلك.
فانصرف المختار إلى منزله ، فلما جنّه الليل استوى على راحلته ، وخرج عن مكة فلم يصبح إلّا على مرحلتين منها ، فلما صار بالقرعاء لقيه رجل من أهل الكوفة ، يقال له : سليمان بن كريب ، فقال له المختار : كيف خلفت أهل الكوفة؟ قال : خلفتهم كغنم لا راعي لها.
فتبسم المختار وقال : أنا والله ، راعيها الذي يحسن رعايتها ، ويقيم أودها ، فلما انتهى إلى نهر الحيرة وذلك يوم الجمعة ، نزل عن راحلته واغتسل فيه ولبس ثيابه واعتصم بعمامة وتقلّد سيفه ثم ركب فرسا له وأقبل حتى دخل الكوفة نهارا جهارا ، فجعل يمر بمجالس القوم فيسلم ويقول : ابشروا بالفرج فقد جئتكم بما تحبون ، فأنا المسلط على الفاسقين ؛ والطالب بدماء الطاهرين ، ثم جاء الى المسجد الأعظم فنزل وصلّى فيه ركعتين والناس يستشرفونه ، ويقولون : هذا المختار ، وما قدم والله إلّا لأمر عظيم ، ثم جلس وصلّى الظهر والعصر ، ونهض وعليه ثياب رثة فخرج إلى دار مسلم بن المسيب.