محمد : لا حاجة لي في هذا المال ، ولا له جئت ، فقال له يزيد : فلا عليك أن تقبضه وتفرقه في من أحببت من أهل بيتك ، قال : فإني قد قبلته ، يا أمير المؤمنين!
ثم إن يزيد أنزل محمدا في بعض منازله ، فكان يدخل عليه صباحا ومساء ، ثم إن وفدا من أهل الكوفة قدموا على يزيد ، وفيهم : المنذر بن الزبير ؛ وعبد الله بن عمر ؛ وعبد الله بن حفص بن المغيرة المخزومي ؛ وعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاري ، فأقاموا عند يزيد أياما ، فأجارهم يزيد وأمر لكل رجل بخمسين ألف درهم ، وأجاز المنذر بمائة الف درهم ، فلمّا أرادوا الانصراف إلى المدينة ، دخل محمد بن علي على يزيد ، فاستأذنه في الانصراف معهم ، فأذن له في ذلك ووصله بمائتين ألف درهم ، وأعطاه عروضا بمائة ألف درهم ، ثم قال له : والله ، يا أبا القاسم ألية أني لا أعلم اليوم في أهل بيتك رجلا هو أعلم منك بالحلال والحرام ، وقد كنت أحب أن لا تفارقني ، وتأمرني بما فيه حظي ورشدي ، وو الله ، ما أحبّ أن تنصرف عني وأنت ذام لشيء من أخلاقي.
فقال له محمد : أما ما كان منك إلى الحسين ، فذاك شيء لا يستدرك ، وأما الآن فإني ما رأيت منك منذ قدمت عليك إلّا خيرا ، ولو رأيت منك خصلة أكرهها ، لما وسعني السكوت دون أن أنهاك عنها ، واخبرك بما يحقّ لله عليك منها ، للذي أخذ الله تبارك وتعالى على العلماء في علمهم أن يبينوه للناس ولا يكتموه ، ولست مؤديا عنك إلى من ورائي من الناس إلّا خيرا ، غير أني أنهاك عن شرب هذا المسكر ، فإنه رجس من عمل الشيطان ، وليس من ولي امور الامة ، ودعي له بالخلافة على رءوس الأشهاد فوق المنابر ، كغيره من الناس ، فاتّق الله في نفسك ، وتدارك ما سلف من ذنبك.