(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٧٥)
____________________________________
(أَفَتَطْمَعُونَ) تلوين للخطاب وصرف له عن اليهود أثر ما عدت هناتهم ونعيت عليهم جناياتهم إلى النبى صلىاللهعليهوسلم ومن معه من المؤمنين والهمزة لإنكار الواقع واستبعاده كما فى قولك أتضرب أباك لا لإنكار الوقوع كما فى قوله أأضرب أبى والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ويستدعيه نظام الكلام لكن لا على قصد توجيه الإنكار إلى المعطوفين معا كما فى أفلا تبصرون على تقدير المعطوف عليه منفيا أى ألا تنظرون فلا تبصرون فالمنكر كلا الأمرين بل إلى ترتب الثانى على الأول مع وجوب أن يترتب عليه نقيضه كما إذا قدر الأول مثبتا أى أتنظرون فلا تبصرون فالمنكر ترتب الثانى على الأول مع وجوب أن يترتب عليه نقيضه أى أتسمعون أخبارهم وتعلمون أحوالهم فتطمعون ومآل المعنى أبعد أن علمتم تفاصيل شئونهم المؤيسة عنهم تطعمون (أَنْ يُؤْمِنُوا) فإنهم متماثلون فى شدة الشكيمة والأخلاق الذميمة لا يتأتى من أخلاقهم إلا مثل ما أتى من أسلافهم وأن مصدرية حذف عنها الجار والأصل فى أن يؤمنوا وهى مع ما فى حيزها فى محل النصب أو الجر على الخلاف المعروف واللام فى لكم لتضمين معنى الاستجابة كما فى قوله عزوجل (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) أى فى إيمانهم مستجيبين لكم أو للتعليل أى فى أن يحدثوا الإيمان لأجل دعوتكم وصلة الإيمان محذوفة لظهور أن المراد به معناه الشرعى وستقف على ما فيه من المزية بإذن الله تعالى (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) الفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه كالرهط والقوم والجار والمجرور فى محل الرفع أى فريق كائن منهم وقوله تعالى (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) خبر كان وقرىء كلم الله والجملة حالية مؤكدة للإنكار حاسمة لمادة الطمع. مثل أحوالهم الشنيعة المحكية فيما سلف على منهاج قوله تعالى (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) بعد قوله تعالى (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) أى والحال أن طائفة منهم قال ابن عباس رضى الله عنهما هم قوم من السبعين المختارين للميقات كانوا يسمعون كلامه تعالى حين كلم موسى عليهالسلام بالطور وما أمر به ونهى عنه (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) عن مواضعه لا لقصور فهمهم عن الإحاطة بتفاصيله على ما ينبغى لاستيلاء الدهشة والمهابة حسبما يقتضيه مقام الكبرياء بل (مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) أى فهموه وضبطوه بعقولهم ولم تبق لهم فى مضمونه ولا فى كونه كلام رب العزة ريبة أصلا فلما رجعوا إلى قومهم أداه الصادقون إليهم كما سمعوا وهؤلاء قالوا سمعنا الله تعالى يقول فى آخر كلامه إن استطعتم أن تفعلوا هذه الاشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا فلا بأس فثم للتراخى زمانا أو رتبة وقال القفال سمعوا كلام الله وعقلوا مراده تعالى منه فأولوه تأويلا فاسدا وقيل هم رؤساء أسلافهم الذين تولوا تحريف التوراة بعد ما أحاطوا بما فيها علما وقيل هم الذين غيروا نعت النبى صلىاللهعليهوسلم فى عصره وبدلوا آية الرجم ويأباه الجمع بين صيغتى الماضى والمستقبل الدال على وقوع السماع والتحريف فيما سلف إلا أن يحمل ذلك على تقدمه على زمان نزول الآية الكريمة لا على تقدمه على عهده عليه الصلاة والسلام هذا والأول هو الأنسب بالسماع والكلام إذ