(وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(١٠٢)
____________________________________
بها وقيل كتاب الله القرآن نبذوه بعد ما لزمهم تلقيه بالقبول لا سيما بعد ما كانوا يستفتحون به من قبل فإن ذلك قبول له وتمسك به فيكون الكفر به عند مجيئه نبذا له كأنه قيل كتاب الله الذى جاء به فإن مجىء الرسول معرب عن مجىء الكتاب (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) مثل لتركهم وإعراضهم عنه بالكلية مثل بما يرمى به وراء الظهر استغناء عنه وقلة التفات إليه (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) جملة حالية أى نبذوه وراء ظهورهم مشبهين بمن لا يعلمه فإن أريد بهم أحبارهم فالمعنى كأنهم لا يعلمونه على وجه الإيقان ولا يعرفون ما فيه من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام ففيه إيذان بأن علمهم به رصين لكنهم يتجاهلون أو كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله أو لا يعلمونه أصلا كما إذا أريد بهم الكل وفى هذين الوجهين زيادة مبالغة فى إعراضهم عما فى التوراة من دلائل النبوة هذا وإن أريد بما نبذوه من كتاب الله القرآن فالمراد بالعلم المنفى فى قوله تعالى (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) هو العلم بأنه كتاب الله ففيه ما فى الوجه الأول من الإشعار بأنهم متيقنون فى ذلك وإنما يكفرون به مكابرة وعنادا قيل إن جيل اليهود أربع فرق ففرقة آمنوا بالتوراة وقاموا بحقوقها كمؤمنى أهل الكتاب وهم الأقلون المشار إليهم بقوله عزوجل (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وفرقة جاهروا بنبذ العهود وتعدى الحدود تمردا وفسوقا وهم المعنيون بقوله تعالى (نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) وفرقة لم يجاهروا بنبذها ولكن نبذوها لجهلهم بها وهم الأكثرون وفرقة تمسكوا بها ظاهرا ونبذوها خفية وهم المتجاهلون (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) عطف على جواب لما أى نبذوا كتاب الله واتبعوا كتب السحرة التى كانت تقرأها الشياطين وهم المتمردون من الجن وتتلو حكاية حال ماضية والمراد بالاتباع التوغل والتمحض فيه والإقبال عليه بالكلية وإلا فأصل الاتباع كان حاصلا قبل مجىء الرسول صلىاللهعليهوسلم فلا يتسنى عطفه على جواب لما ولذلك قيل هو معطوف على الجملة وقيل على أشربوا (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) أى فى عهد ملكه قيل كانت الشياطين يسترقون السمع ويضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة وهم يدونونها ويعلمونها الناس وفشا ذلك فى عهد سليمان عليهالسلام حتى قيل إن الجن تعلم الغيب وكانوا يقولون هذا علم سليمان وما تم له ملكه إلا بهذا العلم وبه سخر الإنس والجن والطير والريح التى تجرى بأمره وقيل إن سليمان عليهالسلام كان قد دفن كثيرا من العلوم التى خصه الله تعالى بها تحت سرير ملكه فلما مضت على ذلك مدة توصل إليها قوم من المنافقين فكتبوا فى خلال ذلك أشياء من فنون السحر تناسب تلك