الأشياء المدفونة من بعض الوجوه ثم بعد موته وإطلاع الناس على تلك الكتب أو هموهم أنه من عمل سليمان عليهالسلام وأنه ما بلغ هذا المبلغ إلا بسبب هذه الأشياء (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) تنزيه لساحته عليهالسلام عن السحر وتكذيب لمن افترى عليه بأنه كان يعتقده ويعمل به والتعرض لكونه كفرا للمبالغة فى إظهار نزاهته عليهالسلام وكذب باهتيه بذلك (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ) وقرىء بتخفيف لكن ورفع الشياطين والواو عاطفة للجملة الاستدراكية على ما قبلها وكون المخففة عند الجمهور للعطف إنما هو عند عدم الواو وكون ما بعدها مفردا (كَفَرُوا) باستعمال السحر وتدوينه (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) إغواء وإضلالا والجملة فى محل النصب على الحالية من ضمير كفروا أو من الشياطين فإن ما فى لكن من رائحة الفعل كاف فى العمل فى الحال أو فى محل الرفع على أنه خبر ثان للكن أو بدل من الخبر الأول وصيغة الاستقبال للدلالة على استمرار التعليم وتجدده أو جملة مستأنفة هذا على تقدير كون الضمير للشياطين وأما على تقدير رجوعه إلى فاعل اتبعوا فهى إما حال منه وإما استئنافية فحسب. واعلم أن السحر أنواع منها سحر الكلدانيين الذين كانوا فى قديم الدهر وهم قوم يعبدون الكواكب ويزعمون أنها هى المدبرة لهذا العالم ومنها تصدر الخيرات والشرور والسعادة والنحوسة ويستحدثون الخوارق بواسطة تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية وهم الذين بعث الله تعالى إبراهيم عليه الصلاة والسلام لإبطال مقالتهم وهم ثلاث فرق ففرقة منهم يزعمون أن الأفلاك والنجوم واجبة الوجود لذواتها وهم الصابئة وفرقة يقولون بإلهية الأفلاك ويتخذون لكل واحد منها هيكلا ويشتغلون بخدمتها وهم عبدة الأوثان وفرقة أثبتوا للأفلاك وللكواكب فاعلا مختارا لكنهم قالوا إنه أعطاها قوة عالية نافذة فى هذا العالم وفوض تدبيره إليها ومنها سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية فإنهم يزعمون أن الإنسان تبلغ روحه بالتصفية فى القوة والتأثير إلى حيث يقدر على الإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة وتغيير البنية والشكل ومنها سحر من يستعين بالأرواح الأرضية وهو المسمى بالعزائم وتسخير الجن ومنها التخييلات الآخذة بالعيون وتسمى الشعوذة ولا خلاف بين الأمة فى أن من اعتقد الأول فقد كفر وكذا من اعتقد الثانى وهو سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية وأما من اعتقد أن الإنسان يبلغ بالتصفية وقراءة العزائم والرقى إلى حيث يخلق الله سبحانه وتعالى عقيب ذلك على سبيل جريان العادة بعض الخوارق فالمعتزلة اتفقوا على أنه كافر لأنه لا يمكنه بهذا الاعتقاد معرفة صدق الأنبياء والرسل بخلاف غيرهم ولعل التحقيق أن ذلك الإنسان إن كان خيرا متشرعا فى كل ما يأتى ويذر وكان من يستعين به من الأرواح الخيرة وكانت عزائمه ورقاه غير مخالفة لأحكام الشريعة الشريفة ولم يكن فيما ظهر فى يده من الخوارق ضرر شرعى لأحد فليس ذلك من قبيل السحر وإن كان شريرا غير متمسك بالشريعة الشريفة فظاهر أن من يستعين به من الأرواح الخبيثة الشريرة لا محالة ضرورة امتناع تحقق التضام والتعاون بينهما من غير اشتراك فى الخبث والشرارة فيكون كافرا قطعا وأما الشعوذة وما يجرى مجراها من إظهار الأمور العجيبة بواسطة ترتيب الآلات الهندسية وخفة اليد والاستعانة بخواص الأدوية والأحجار فإطلاق السحر عليها بطريق التجوز أو لما فيها