(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(١٠٥)
____________________________________
الجملة الابتدائية جوابا للو غير معهود فى كلام العرب وقيل لو للتمنى ومعناه أنهم من فظاعة الحال بحيث يتمنى العارف إيمانهم واتقاءهم تلهفا عليهم وقرىء لمثوبة وإنما سمى الجزاء ثوابا ومثوبة لأن المحسن يثوب إليه (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أن ثواب الله خير نسبوا إلى الجهل لعدم العمل بموجب العلم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) خطاب للمؤمنين فيه إرشاد لهم إلى الخير وإشارة إلى بعض آخر من جنايات اليهود (لا تَقُولُوا راعِنا) المراعاة المبالغة فى الرعى وهو حفظ الغير وتدبير أموره وتدارك مصالحه وكان المسلمون إذا ألقى عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا من العلم يقولون راعنا يا رسول الله أى راقبنا وانتظرنا وتأن بنا حتى نفهم كلامك ونحفظه وكانت لليهود كلمة عبرانية أو سريانية يتسابون بها فيما بينهم وهى راعينا قيل معناها اسمع لا سمعت فلما سمعوا بقول المؤمنين ذلك افترصوه واتخذوه ذريعة إلى مقصدهم فجعلوا يخاطبون به النبى صلىاللهعليهوسلم يعنون به تلك المسبة أو نسبته صلىاللهعليهوسلم إلى الرعن وهو الحمق والهوج روى أن سعد بن عبادة رضى الله عنه سمعها منهم فقال يا أعداء الله عليكم لعنة الله والذى نفسى بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم لأضربن عنقه قالوا أو لستم تقولونها فنزلت الآية ونهى فيها المؤمنون عن ذلك قطعا لألسنة اليهود عن التدليس وأمروا بما فى معناها ولا يقبل التلبيس فقيل (وَقُولُوا انْظُرْنا) أى انظر إلينا بالحذف والإيصال أو انتظرنا على أنه من نظره إذا انتظره وقرىء أنظرنا من النظرة أى أمهلنا حتى نحفظ وقرىء راعونا على صيغة الجمع للتوقير وراعنا على صيغة الفاعل أى قولا ذارعن كدارع ولابن لأنه لما أشبه قولهم راعينا وكان سببا للسب بالرعن اتصف به (وَاسْمَعُوا) وأحسنوا سماع ما يكلمكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويلقى عليكم من المسائل بآذان واعية وأذهان حاضرة حتى لا تحتاجوا إلى الاستعاذة وطلب المراعاة أو واسمعوا ما كلفتموه من النهى والأمر بجد واعتناء حتى لا ترجعوا إلى ما نهيتم عنه أو واسمعوا سماع طاعة وقبول ولا يمكن سماعكم مثل سماع اليهود حيث قالوا سمعنا وعصينا (وَلِلْكافِرِينَ) أى اليهود الذين توسلوا بقولكم المذكور إلى كفرياتهم وجعلوه سببا للتهاون برسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا له ما قالوا (عَذابٌ أَلِيمٌ) لما اجترءوا عليه من العظيمة وهو تذييل لما سبق فيه وعيد شديد لهم ونوع تحذير للمخاطبين عما نهوا عنه (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) الودحب الشىء مع تمنيه ولذلك يستعمل فى كل منهما ونفيه كناية عن الكراهة ووضع الموصول موضع الضمير للإشعار بعلية ما فى حيز الصلة لعدم ودهم ولعل تعلقه بما قبله من حيث أن القول المنهى عنه كثيرا ما كان يقع عند تنزيل الوحى المعبر عنه فى هذه الآية بالخير فكأنه أشير إلى أن سبب تحريفهم له إلى ما حكى عنهم لوقوعه فى أثناء حصول ما يكرهونه من تنزيل الخير وقيل كان فريق من اليهود يظهرون للمؤمنين محبة ويزعمون أنهم يودون لهم الخير فنزلت تكذيبا لهم فى ذلك ومن فى