(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(١٠٧)
____________________________________
حقيقة الوحى ورد كلام الكارهين له رأسا قيل نزلت حين قال المشركون أو اليهود ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمر بخلافه والنسخ فى اللغة الإزالة والنقل يقال نسخت الريح الأثر أى أزالته ونسخت الكتاب أى نقلته ونسخ الآية بيان انتهاء التعبد بقراءتها أو بالحكم المستفاد منها أو بهما جميعا وإنساؤها إذهابها من القلوب وما شرطية جازمة لننسخ منتصبة به على المفعولية وقرىء ننسخ من أنسخ أى نأمرك أو جبريل بنسخها أو نجدها منسوخة وننسأها من النسء أى نؤخرها وننسها بالتشديد وتنسها وتنسها على خطاب الرسول صلىاللهعليهوسلم مبنيا للفاعل وللمفعول وقرىء ما ننسخ من آية أو ننسكها وقرىء ما ننسك من آية أو ننسخها والمعنى أن كل آية نذهب بها على ما تقتضيه الحكمة والمصلحة من إزالة لفظها أو حكمها أو كليهما معا إلى بدل أو إلى غير بدل (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) أى نوع آخر هو خير للعباد بحسب الحال فى النفع والثواب من الذاهبة وقرىء بقلب الهمزة ألفا (أَوْ مِثْلِها) أى فيما ذكر من النفع والثواب وهذا الحكم غير مختص بنسخ الآية التامة فما فوقها بل جار فى مادونها أيضا وتخصيصها بالذكر باعتبار الغالب والنص كما ترى دال على جواز النسخ كيف لا وتنزيل الآيات التى عليها يدور فلك الأحكام الشرعية إنما هو بحسب ما يقتضيه من الحكم والمصالح وذلك يختلف باختلاف الأحوال ويتبدل حسب تبدل الأشخاص والأعصار كأحوال المعاش فرب حكم تقتضيه الحكمة فى حال تقتضى فى حال أخرى نقيضه فلو لم يجز النسخ لاختل ما بين الحكمة والأحكام من النظام (أَلَمْ تَعْلَمْ) الهمزة للتقرير كما فى قوله سبحانه أليس الله بكاف عبده وقوله تعالى (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) والخطاب للنبى عليه الصلاة والسلام وقوله تعالى (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ساد مسد مفعولى تعلم عند الجمهور ومسد مفعوله الأول والثانى محذوف عند الأخفش والمراد بهذا التقرير الاستشهاد بعلمه بما ذكر على قدرته تعالى على النسخ وعلى الإتيان بما هو خير من المنسوخ وبما هو مثله لأن ذلك من جملة الأشياء المقهورة تحت قدرته سبحانه فمن علم شمول قدرته تعالى لجميع الأشياء علم قدرته على ذلك قطعا والالتفات بوضع الاسم الجليل موضع الضمير لتربية المهابة والإشعار بمناط الحكم فإن شمول القدرة لجميع الأشياء من الأحكام الألوهية وكذا الحال فى قوله عز سلطانه (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإن عنوان الألوهية مدار أحكام ملكوتهما والجار والمجرور خبر مقدم وملك السموات والأرض مبتدأ والجملة خبر لأن إيثاره على أن يقال أن لله ملك السموات والأرض للقصد إلى تقوى الحكم بتكرر الإسناد وهو إما تكرير للتقرير وإعادة للاستشهاد على ما ذكر وإنما لم يعطف أن مع ما فى حيزها على ما سبق من مثلها روما لزيادة التأكيد وإشعارا باستقلال العلم بكل منهما وكفايته فى الوقوف على ما هو المقصود وإما تقرير مستقل للاستشهاد على قدرته تعالى على جميع الأشياء أى ألم تعلم أن الله له السلطان القاهر والاستيلاء الباهر المستلزمان للقدرة التامة على التصرف الكلى فيهما إيجادا وإعداما وأمرا ونهيا حسبما تقتضيه مشيئته لا معارض لأمره ولا معقب لحكمه فمن هذا شأنه كيف يخرج عن قدرته شىء من الأشياء وقوله تعالى (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ