(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(١١٤)
____________________________________
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) إنكار واستبعاد لأن يكون أحد أظلم ممن فعل ذلك أو مساويا له وإن لم يكن سبك التركيب متعرضا لإنكار المساواة ونفيها يشهد به العرف الفاشى والاستعمال المطرد فإذا قيل من أكرم من فلان أو لا أفضل من فلان فالمراد به حتما أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل وهذا الحكم عام لكل من فعل ذلك فى أى مسجد كان وإن كان سبب النزول فعل طائفة معينة فى مسجد مخصوص. روى أن النصارى كانوا يطرحون فى بيت المقدس الأذى ويمنعون الناس أن يصلوا فيه وأن الروم غزوا أهله فخربوه وأحرقوا التوراة وقتلوا وسبوا وقد نقل عن ابن عباس رضى الله عنهما أن طيطيوس الرومى ملك النصارى وأصحابه غزوا بنى إسرائيل وقتلوا مقاتلتهم وسبوا ذراريهم وأحرقوا التوراة وخربوا بيت المقدس وقذفوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير ولم يزل خرابا حتى بناه المسلمون فى عهد عمر رضى الله عته وإنما أوقع المنع على المساجد وإن كان الممنوع هو الناس لما أن فعلهم من طرح الأذى والتخريب ونحوهما متعلق بالمسجد لا بالناس مع كونه على حاله وتعلق الآية الكريمة بما قبلها من حيث أنها مبطلة لدعوى النصارى اختصاصهم بدخول الجنة وقيل هو منع المشركين رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية فتعلقها بما تقدمها من جهة أن المشركين من جملة الجاهلين القائلين لكل من عداهم ليسوا على شىء (أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) ثانى مفعولى منع كقوله تعالى (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) وقوله تعالى (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) ويجوز أن يكون ذلك بحذف الجار مع أن وأن يكون ذلك مفعولا له أى كراهة أن يذكر فيها اسمه (وَسَعى فِي خَرابِها) بالهدم أو التعطيل بانقطاع الذكر (أُولئِكَ) المانعون الظالمون الساعون فى خرابها (ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) أى ما كان ينبغى لهم أن يدخلوها إلا بخشية وخضوع فضلا عن الاجتراء على تخريبها أو تعطيلها أو ما كان الحق أن يدخلوها إلا على حال التهيب وارتعاد الفرائص من جهة المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلا أن يستولوا عليها ويلوها ويمنعوهم منها أو ما كان لهم فى علم الله تعالى وقضائه بالآخرة إلا ذلك فيكون وعدا للمؤمنين بالنصرة واستخلاص ما استولوا عليه منهم وقد أنجز الوعد ولله الحمد. روى أنه لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى إلا متنكرا مسارقة وقيل معناه النهى عن تمكينهم من الدخول فى المسجد واختلف الأئمة فى ذلك فجوزه أبو حنيفة مطلقا ومنعه مالك مطلقا وفرق الشافعى بين المسجد الحرام وغيره (لَهُمْ) أى لأولئك المذكورين (فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أى خزى فظيع لا يوصف بالقتل والسبى والإذلال بضرب الجزية عليهم (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) وهو عذاب النار لما أن سببه أيضا وهو ما حكى من ظلمهم كذلك فى العظم وتقديم الظرف فى الموضعين للتشويق إلى ما يذكر بعده من الخزى والعذاب لما مر من أن تأخير ما حقه التقديم موجب لتوجه النفس إليه فيتمكن فيها عند وروده فضل تمكن كما فى