(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(١٢٩)
____________________________________
المعلومات التى من زمرتها نياتنا فى جميع أعمالنا والجملة تعليل لاستدعاء التقبل لا من حيث إن كونه تعالى سميعا لدعائهما عليما بنياتهما مصحح للتقبل فى الجملة بل من حيث إن علمه تعالى بصحة نياتهما وإخلاصهما فى أعمالهما مستدع له بموجب الوعد تفضلا وتأكيد الجملة لغرض كمال قوة يقينهما بمضمونها وقصر نعتى السمع والعلم عليه تعالى لإظهار اختصاص دعائهما به تعالى وانقطاع رجائهما عما سواه بالكلية واعلم أن الظاهر أن أول ما جرى من الأمور المحكية هو الابتلاء وما يتبعه ثم دعاء البلدية والأمن وما يتعلق به ثم رفع قواعد البيت وما يتلوه ثم جعله مثابة للناس والأمر بتطهيره ولعل تغيير الترتيب الوقوعى فى الحكاية لنظم الشئون الصادرة عن جنابه تعالى فى سلك مستقل ونظم الأمور الواقعة من جهة إبراهيم وإسمعيل عليهماالسلام من الأفعال والأقوال فى سلك آخر وأما قوله تعالى (وَمَنْ كَفَرَ) الخ فإنما وقع فى تضاعيف الأحوال المتعلقة بإبراهيم لاقتضاء المقام واستيجاب ما سبق من الكلام ذلك بحيث لم يكن بد منه أصلا كما أن وقوع قولهعليهالسلام ومن ذريتى فى خلال كلامه سبحانه لذلك (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) مخلصين لك أو مستسلمين من أسلم إذا استسلم وانقاد وأيا ما كان فالمطلوب الزيادة والثبات على ما كان عليه من الإخلاص والإذعان وقرىء مسلمين على صيغة الجمع بإدخال هاجر معهما فى الدعاء أو لأن التثنية من مراتب الجمع (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) أى واجعل بعض ذريتنا وإنما خصاهم بالدعاء لأنهم أحق بالشفقة ولأنهم إذا صلحوا صلح الأتباع وإنما خصابه بعضهم لما علما أن منهم ظلمة وأن الحكمة الإلهية لا تقتضى اتفاق الكل على الإخلاص والإقبال الكلى على الله عزوجل فإن ذلك مما يخل بأمر المعاش ولذلك قيل لو لا الحمقى لخربت الدنيا وقيل أراد بالأمة المسلمة أمة محمد صلىاللهعليهوسلم وقد جوز أن يكون من مبينة قدمت على المبين وفصل بها بين العاطف والمعطوف كما فى قوله تعالى (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) والأصل وأمة مسلمة لك من ذريتنا (وَأَرِنا) من الرؤية بمعنى الإبصار أو بمعنى التعريف أى بصرنا أو عرفنا (مَناسِكَنا) أى متعبداتنا فى الحج أو مذابحنا والنسك فى الأصل غاية العبادة وشاع فى الحج لما فيه من الكلفة والبعد عن العادة وقرىء أرنا قياسا على فخذ فى فخذ وفيه إجحاف لأن الكسرة منقولة من الهمزة الساقطة دليل عليها وقرىء بالاختلاس (وَتُبْ عَلَيْنا) استتابة لذريتهما وحكايتها عنهما لترغيب الكفرة فى التوبة والإيمان أو توبة لهما عما فرط منهما سهوا ولعلهما قالاه هضما لأنفسهما وإرشادا لذريتهما (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) وهو تعليل للدعاء ومزيد استدعاء للإجابة قيل إذا أراد العبد أن يستجاب له فليدع الله عزوجل بما يناسيه من أسمائه وصفاته (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ) أى فى الأمة المسلمة