(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)(١٣٠)
____________________________________
(رَسُولاً مِنْهُمْ) أى من أنفسهم فإن البعث فيهم لا يستلزم البعث منهم ولم يبعث من ذريتهما غير النبى صلىاللهعليهوسلم فهو الذى أجيب به دعوتهما عليهماالسلام روى أنه قيل له قد استجيب لك وهو فى آخر الزمان قال عليهالسلام أنا دعوة أبى إبراهيم وبشرى عيسى ورؤيا أمى وتخصيص إبراهيم عليهالسلام بالاستجابة له لما أنه الأصل فى الدعاء وإسمعيل تبع له عليهالسلام (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ) يقرأ عليهم ويبلغهم ما يوحى إليه من البينات (وَيُعَلِّمُهُمُ) بحسب قوتهم النظرية (الْكِتابَ) أى القرآن (وَالْحِكْمَةَ) وما يكمل به نفوسهم من أحكام الشريعة والمعارف الحقة (وَيُزَكِّيهِمْ) بحسب قوتهم العملية أى يطهرهم عن دنس الشرك وفنون المعاصى (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الذى لا يقهر ولا يغلب على ما يريد (الْحَكِيمُ) الذى لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة والجملة تعليل للدعاء وإجابة المسئول فإن وصف الحكمة مقتض لإفاضة ما تقتضيه الحكمة من الأمور التى من جملتها بعث الرسول ووصف العزة مستدع لامتناع وجود المانع بالمرة (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) إنكار واستبعاد لأن يكون فى العقلاء من يرغب عن ملته التى هى الحق الصريح والدين الصحيح أى لا يرغب عن ملته الواضحة الغراء (إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) أى أذلها واستمهنها واستخف بها وقيل خسر نفسه وقيل أوبق أو أهلك أو جهل نفسه قال المبرد وثعلب سفه بالكسر متعد وبالضم لازم ويشهد له ما ورد فى الخبر الكبر أن تسفه الحق وتغمص الناس وقيل معناه ضل من قبل نفسه وقيل أصله سفه نفسه بالرفع فنصب على التمييز نحو غبن رأيه وألم رأسه ونحو قوله [ونأخذ بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس له سنام] وقوله[وما قومى بثعلبة بن سعد ولا بفزارة الشعر الرقابا] ذلك لأنه إذا رغب عما لا يرغب عنه أحد من العقلاء فقد بالغ فى إذلال نفسه وإذالتها وإهانتها حيث خالف بها كل نفس عاقلة روى أن عبد الله بن سلام دعا ابنى أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام فقال لهما قد علمنا أن الله تعالى قال فى التوراة إنى باعث من ولد إسمعيل نبيا اسمه أحمد فمن آمن به فقد اهتدى ورشد ومن لم يؤمن به فهو ملعون فأسلم سلمة وأبى مهاجر فنزلت (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) أى اخترناه بالنبوة والحكمة من بين سائر الخلق وأصله اتخاذ صفوة الشىء كما أن أصل الاختيار اتخاذ خيره واللام لجواب قسم محذوف والواو اعتراضية والجملة مقررة لمضمون ما قبلها أى وبالله لقد اصطفيناه وقوله تعالى (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) أى من المشهود لهم بالثبات على الاستقامة والخير والصلاح معطوف عليها داخل فى حيز القسم مؤكد لمضمونها مقرر لما تقرره ولا حاجة إلى جعله اعتراضا آخر أو حالا مقدرة فإن من كان صفوة للعباد فى الدنيا مشهودا له بالصلاح فى الآخرة كان حقيقا بالاتباع لا يرغب عن ملته إلا سفيه أو متسفه أذل نفسه بالجهل والإعراض عن النظر والتأمل وإيثار الاسمية لما أن انتظامه فى زمرة صالحى أهل الآخرة أمر مستمر فى الدارين لا أنه