(إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(١٣٢)
____________________________________
يحدث فى الآخرة والتأكيد بأن واللام لما أن الأمور الأخروية خفية عند المخاطبين فحاجتها إلى التأكيد أشد من الأمور التى تشاهد آثارها وكلمة فى متعلقة بالصالحين على أن اللام للتعريف وليست بموصولة حتى يلزم تقديم بعض الصلة عليها على أنه قد يغتفر فى الظرف ما لا يغتفر فى غيره كما فى قوله[ربيته حتى إذا تمعددا كان جزائى بالعصا أن أجلدا] أو بمحذوف من لفظه أى وأنه لصالح فى الآخرة لمن الصالحين أو من غير لفظه أى أعنى فى الآخرة نحو لك بعد رعيا وقيل هى متعلقة باصطفيناه على أن فى النظم الكريم تقديما وتأخيرا تقديره ولقد اصطفيناه فى الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين (إِذْ قالَ لَهُ) ظرف لاصطفيناه لما أن المتوسط ليس بأجنبى بل هو مقرر له لأن اصطفاءه فى الدنيا إنما هو للنبوة وما يتعلق بصلاح الآخرة أو تعليل له أو منصوب باذكر كأنه قيل اذكر ذلك الوقت لتقف على أنه المصطفى الصالح المستحق للإمامة والتقدم وأنه مانال مانال إلا بالمبادرة إلى الإذعان والانقياد لما أمر به وإخلاص سره على أحسن ما يكون حين قال له (رَبُّهُ أَسْلِمْ) أى لربك (قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) وليس الأمر على حقيقته بل هو تمثيل والمعنى أخطر بباله دلائل التوحيد المؤدية إلى المعرفة الداعية إلى الإسلام من الكوكب والقمر والشمس وقيل أسلم أى أذعن وأطع وقيل اثبت على ما أنت عليه من الإسلام والإخلاص أو استقم وفوض أمورك إلى الله تعالى فالأمر على حقيقته والالتفات مع التعرض لعنوان الربوبية والإضافة إليه عليهالسلام لإظهار مزيد اللطف به والاعتناء بتربيته وإضافة الرب فى جوابه عليه الصلاة والسلام إلى العالمين للإيذان بكمال قوة إسلامه حيث أيقن حين النظر بشمول ربوبيته للعالمين قاطبة لا لنفسه وحده كما هو المأمور به (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ) شروع فى بيان تكميله عليهالسلام لغيره إثر بيان كماله فى نفسه وفيه توكيد لوجوب الرغبة فى ملته عليهالسلام والتوصية التقدم إلى الغير بما فيه خير وصلاح للمسلمين من فعل أو قول وأصلها الوصلة يقال وصاه إذا وصله وفصاه إذا فصله كأن الموصى يصل فعله بفعل الوصى والضمير فى بها للملة أو قوله أسلمت لرب العالمين بتأويل الكلمة كما عبر بها عن قوله تعالى (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) فى قوله عزوجل (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) وقرىء أوصى والأول أبلغ (وَيَعْقُوبُ) عطف على إبراهيم أى وصى بها هو أيضا وقرىء بالنصب عطفا على بنيه (يا بَنِيَّ) على إضمار القول عند البصريين ومتعلق بوصى عند الكوفيين لأنه فى معنى القول كما فى قوله[رجلان من ضبة أخبرانا أنا رأينا رجلا عريانا] فهو عند الأولين بتقدير القول وعند الآخرين متعلق بالإخبار الذى هو فى معنى القول وقرىء أن يا بنى وبنو إبراهيم عليهالسلام كانوا أربعة إسماعيل وإسحاق ومدين ومدان وقيل ثمانية وقيل أربعة وعشرين وكان بنو يعقوب اثنى عشر روبين وشمعون ولاوى ويهوذا ويشسوخور وزبولون وزوانا وتفتونا