(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(١٤٠)
____________________________________
والنصرانية وتبنون دخول الجنة والاهتداء عليهما وتقولون تارة لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وتارة كونوا هودا أو نصارى تهتدوا (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) جملة حالية وكذلك ما عطف عليها أى أتجادلوننا والحال أنه لا وجه للمجادلة أصلا لأنه تعالى ربنا أى مالك أمرنا وأمركم (وَلَنا أَعْمالُنا) الحسنة الموافقة لأمره (وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) السيئة المخالفة لحكمه (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) فى تلك الأعمال لا نبتغى بها إلا وجهه فأتى لكم المحاجة وادعاء حقية ما أنتم عليه والطمع فى دخول الجنة بسببه ودعوة الناس إليه وكلمة أم فى قوله تعالى (أَمْ تَقُولُونَ) إما معادلة للهمزة فى قوله تعالى (أَتُحَاجُّونَنا) داخلة فى حيز الأمر على معنى أى الأمرين تأتون إقامة الحجة وتنوير البرهان على حقية ما أنتم عليه والحال ما ذكر أم التشبث بذيل التقليد والافتراء على الأنبياء وتقولون (إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى) فنحن بهم مقتدون والمراد إنكار كلا الأمرين والتوبيخ عليهما وإما منقطعة مقدرة ببل والهمزة دالة على الإضراب والانتقال من التوبيخ على المحاجة إلى التوبيخ على الافتراء على الأنبياء عليهمالسلام وقرىء أم يقولون على صيغة الغيبة فهى منقطعة لا غير غير داخلة تحت الأمر واردة من جهته تعالى توبيخا لهم وإنكارا عليهم لا من جهته عليهالسلام على نهج الالتفات كما قيل هذا وأما ما قيل من أن المعنى أتحاجوننا فى شأن الله واصطفائه نبيا من العرب دونكم لما روى أن أهل الكتاب قالوا الأنبياء كلهم منا فلو كنت نبيا لكنت منا فنزلت ومعنى قوله تعالى (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) أنه لا اختصاص له تعالى بقوم دون قوم يصيب برحمته من يشاء من عباده فلا يبعد أن يكرمنا بأعمالنا كما أكرمكم بأعمالكم كأنه ألزمهم على كل مذهب ينتحونه إفحاما وتبكيتا فإن كرامة النبوة إما تفضل من الله تعالى على من يشاء فالكل فيه سواء وإما إفاضة حق على المستحقين لها بالمواظبة على الطاعة والتجلى بالإخلاص فكما أن لكم أعمالا ربما يعتبرها الله تعالى فى إعطائها فلنا أيضا أعمال ونحن له مخلصون أى لا أنتم فمع عدم ملاءمته لسباق النظم الكريم وسياقه لا سيما على تقدير كون كلمة أم معادلة للهمزة غير صحيح فى نفسه لما أن المراد بالأعمال من الطرفين ما أشير إليه من الأعمال الصالحة والسيئة ولا ريب فى أن أمر الصلاح والسوء يدور على موافقة الدين المبنى على البعثة ومخالفته فكيف يتصور اعتبار تلك الأعمال فى استحقاق النبوة واستعدادها المتقدم على البعثة بمراتب (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) إعادة الأمر ليست لمجرد تأكيد التوبيخ وتشديد الإنكار عليهم بل للإيذان بأن ما بعده ليس متصلا بما قبله بل بينهما كلام للمخاطبين مترتب على ما سبق مستتبع لما لحق قد ضرب عنه الذكر صفحا لظهوره وهو تصريحهم بما وبخوا عليه من الافتراء على الأنبياء عليهمالسلام كما فى قوله عزوجل (قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) وقوله عز قائلا (قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) فإن تكرير قال فى الموضعين وتوستطه بين قولى قائل واحد