(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ)(١٥٨)
____________________________________
رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) الصلاة من الله سبحانه المغفرة والرأفة وجمعها للتنبيه على كثرتها وتنوعها والجمع بينها وبين الرحمة للمبالغة كما فى قوله تعالى (رَأْفَةً وَرَحْمَةً لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) والتنوين فيهما للتفخيم والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم لإظهار مزيد العناية بهم أى أولئك الموصوفون بما ذكر من النعوت الجليلة عليهم فنون الرأفة الفائضة من مالك أمورهم ومبلغهم إلى كمالاتهم اللائقة بهم وعن النبى صلىاللهعليهوسلم من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه (وَأُولئِكَ) إشارة إليهم إما بالاعتبار السابق والتكرير لإظهار كمال العناية بهم وإما باعتبار حيازتهم لما ذكر من الصلوات والرحمة المترتب على الاعتبار الأول فعلى الأول المراد بالاهتداء فى قوله عزوجل (هُمُ الْمُهْتَدُونَ) هو الاهتداء للحق والصواب مطلقا لا الاهتداء لما ذكر من الاسترجاع والاستسلام خاصة لما أنه متقدم عليهما فلا بد لتأخيره عما هو نتيجة لهما من داع يوجبه وليس بظاهر والجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبله كأنه قيل وأولئك هم المختصون بالاهتداء لكل حق وصواب ولذلك استرجعوا واستسلموا لقضاء الله تعالى وعلى الثانى هو الاهتداء والفوز بالمطالب والمعنى أولئك هم الفائزون بمباغيهم الدينية والدنيوية فإن من نال رأفة الله تعالى ورحمته لم يفته مطلب (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) علمان لجبلين بمكة المعظمة كالصمان والمقطم (مِنْ شَعائِرِ اللهِ) من أعلام مناسكه جمع شعيرة وهى العلامة (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ) الحج فى اللغة القصد والاعتمار الزيارة غلبا فى الشريعة على قصد البيت وزيارته على الوجهين المعروفين كالبيت والنجم فى الأعيان وحيث أظهر البيت وجب تجريده عن التعلق به (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) أى فى أن يطوف بهما أصله يتطوف قلبت التاء طاء فأدغمت الطاء فى الطاء وفى إيراد صيغة التفعل إيذان بأن من حق الطائف أن يتكلف فى الطواف ويبذل فيه جهده وهذا الطواف واجب عندنا والشافعى وعن مالك رحمهماالله أنه ركن وإيراده بعدم الجناح المشعر بالتخيير لما أنه كان فى عهد الجاهلية على الصفا صنم يقال له أساف وعلى المروة آخر اسمه نائلة وكانوا إذا سعوا بينهما مسحوا بهما فلما جاء الإسلام وكسر الأصنام تحرج المسلمون أن يطوفوا بينهما لذلك فنزلت وقيل هو تطوع ويعضده قراءة ابن مسعود فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) أى فعل طاعة فرضا كان أو نفلا أو زاد على ما فرض عليه من حج أو عمرة أو طواف وخيرا حينئذ نصب على أنه صفة لمصدر محذوف أى تطوعا خيرا أو على حذف الجار وإيصال الفعل إليه أو على تضمين معنى فعل وقرىء يطوع وأصله يتطوع مثل يطوف وقرىء ومن يتطوع بخير (فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ) أى مجاز على الطاعة عبر عن ذلك بالشكر مبالغة فى الإحسان إلى العباد (عَلِيمٌ) مبالغ فى العلم بالأشياء فيعلم مقادير أعمالهم وكيفياتها فلا ينقص من أجورهم شيئا وهو علة لجواب الشرط قائم مقامه كأنه قيل ومن تطوع خيرا جازاه الله وأثابه فإن الله شاكر عليم