(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(١٦٤)
____________________________________
حول الكعبة المكرمة ثلثمائة وستون صنما فلما سمعوا هذه الآية تعجبوا وقالوا إن كنت صادقا فأت بآية نعرف بها صدقك فنزلت (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى فى إبداعهما على ما هما عليه مع ما فيهما من التعاجيب العبر وبدائع صنائع يعجز عن فهمها عقول البشر وجمع السموات لما هو المشهور من أنها طبقات متخالفة الحقائق دون الأرض (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أى اعتقابهما وكون كل منهما خلفا للآخر كقوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) أو اختلاف كل منهما فى أنفسهما ازديادا وانتقاصا على ما قدره الله تعالى (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) عطف على ما قبله وتأنيثه إما بتأويل السفينة أو بأنه جمع فإن ضمة الجمع مغايرة لضمة الواحد فى التقدير إذ الأولى كما فى حمر والثانية كما فى قفل وقرىء بضم اللام (بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) أى متلبسة بالذى ينفعهم مما يحمل فيها من أنواع المنافع أو بنفعهم (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ) عطف على الفلك وتأخيره عن ذكرها مع كونه أعم منها نفعا لما فيه من مزيد تفصيل وقيل المقصود الاستدلال بالبحر وأحواله وتخصيص الفلك بالذكر لأنه سبب الخوض فيه والاطلاع على عجائبه ولذلك قدم على ذكر المطر والسحاب لأن منشأهما البحر فى غالب الأمر ومن الأولى ابتدائية والثانية بيانية أو تبعيضية وأياما كان فتأخيرها لما مر مرارا من التشويق والمراد بالسماء الفلك أو السحاب أو جهة العلو (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ) بأنواع النبات والأزهار وما عليها من الأشجار (بَعْدَ مَوْتِها) باستيلاء اليبوسة عليها حسبما تقتضيه طبيعتها كما يوزن به إيراد الموت فى مقابلة الإحياء (وَبَثَّ فِيها) أى فرق ونشر (مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) من العقلاء وغيرهم والجملة معطوفة على أنزل داخلة تحت حكم الصلة وقوله تعالى (فَأَحْيا) الخ متصل بالمعطوف عليه بحيث كانا فى حكم شىء واحد كأنه قيل وما أنزل فى الأرض من ماء وبث فيها الخ أو على أحيا بحذف الجار والمجرور العائد إلى الموصول وإن لم تتحقق الشرائط المعهودة كما فى قوله[وإن لسانى شهدة يشتفى بها ولكن على من صبه الله علقم] أى علقم عليه وقوله[لعل الذى أصعدتنى أن يردنى إلى الأرض إن لم يقدر الخير قادره] على معنى فأحيا بالماء الأرض وبث فيها من كل دابة فإنهم ينمون بالخصب ويعيشون بالحيا (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) عطف على ما أنزل أى تقلييها من مهب إلى آخر أو من حال إلى أخرى وقرىء على الإفراد (وَالسَّحابِ) عطف على تصريف أو الرياح وهو اسم جنس واحده سحابة سمى بذلك لا نسحابه فى الجو (الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) صفة للسحاب باعتبار لفظه وقد يعتبر معناه فيوصف بالجمع كما فى قوله تعالى (سَحاباً ثِقالاً) وتسخيره تقليبه فى الجو بواسطة الرياح حسبما تقتضيه مشيئة الله تعالى ولعل تأخير تصريف الرياح وتسخير السحاب فى الذكر عن جريان الفلك وإنزال الماء مع انعكاس الترتيب الخارجى لما مر فى قصة البقرة من الإشعار باستقلال كل من الأمور المعدودة فى