(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ)(١٧٨)
____________________________________
عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) شروع فى بيان بعض الأحكام الشرعية على وجه التلافى لما فرط من المخلين بما ذكر من أصول الدين وقواعده التى عليها بنى أساس المعاش والمعاد (كُتِبَ عَلَيْكُمُ) أى فرض وألزم عند مطالبة صاحب الحق فلا يقدح فيه قدرة الولى على العفو فإن الوجوب إنما اعتبر بالنسبة إلى الحكام أو القاتلين (الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) أى بسبب قتلهم كما فى قوله صلىاللهعليهوسلم إن امرأة دخلت النار فى هرة ربطتها أى بسبب ربطها إياها (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) كان فى الجاهلية بين حيين من أحياء العرب دماء وكان لأحدهما طول على الآخر فأقسموا لنقتلن الحر منكم بالعبد والذكر بالأنثى فلما جاء الإسلام تحاكموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت فأمرهم أن يتبوءوا وليس فيها دلالة على عدم قتل الحر بالعبد عند الشافعى أيضا لأن اعتبار المفهوم حيث لم يظهر للتخصيص بالذكر وجه سوى اختصاص الحكم بالمنطوق وقد رأيت الوجه ههنا وإنما يتمسك فى ذلك هو ومالك رحمهماالله بما روى على رضى الله عنه أن رجلا قتل عبده فجلده رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونفاه سنة ولم يقده وبما روى عنه رضى الله عنه أنه قال من السنة أن لا يقتل مسلم بذى عهد ولا حر بعبد وبأن أبا بكر وعمر رضى الله عنهما كانا لا يقتلان الحر بالعبد بين أظهر الصحابة من غير نكير وبالقياس على الأطراف وعندنا يقتل الحر بالعبد لقوله تعالى (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) فإن شريعة من قبلنا إذا قصت علينا من غير دلالة على نسخها فالعمل بها واجب على أنها شريعة لنا ولأن القصاص يعتمد المساواة فى العصمة وهى بالدين أو بالدار وهما سيان فيهما وقرىء كتب على البناء للفاعل ونصب القصاص (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) أى شىء من العفو لأن عفا لازم وفائدته الإشعار بأن بعض العفو بمنزلة كله فى إسقاط القصاص وهو الواقع أيضا فى العادة إذ كثيرا ما يقع العفو من بعض الأولياء فهو شىء من العفو وقيل معنى عفى ترك وشىء مفعول به وهو ضعيف إذ لم يثبت عفاه بمعنى تركه بل أعفاه وحمل العفو على المحو كما فى قول من قال [ديار عفاها جور كل معاند] وقوله[عفاها كل حنان كثير الوبل هطال] فيكون المعنى فمن محى له من أخيه شىء صرف للعبارة المتدوالة فى الكتاب والسنة عن معناها المشهور المعهود إلى ما ليس بمعهود فيهما وفى استعمال الناس فإنهم لا يستعملون العفو فى باب الجنايات إلا فيما ذكر من قبل وعفا يعدى بعن إلى الجانى والذنب قال تعالى (عَفَا اللهُ عَنْكَ) وقال (عَفَا اللهُ عَنْها) فإذا تعدى إلى الذنب قيل عفوت لفلان عما جنى كأنه قيل فمن عفى له عن جنايته من جهة أخيه يعنى ولى الدم وإيراده بعنوان الأخوة الثابتة بينهما بحكم كونهما من بنى آدم عليهالسلام لتحريك سلسلة الرقة والعطف عليه (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) فالأمر اتباع أو فليكن اتباع والمراد