(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ)(٢٥٣)
____________________________________
آخر وما اجتمعوا قبله على ملك قط (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) أى مما يشاء الله تعالى تعليمه إياه لا مما يشاء داود عليهالسلام كما قيل لأن معظم ما علمه تعالى إياه مما لا يكاد يخطر ببال أحد ولا يقع فى أمنية بشر ليتمكن من طلبه ومشيئته كالسرد بإلانة الحديد ومنطق الطير والدواب ونحو ذلك من الأمور الخفية (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ) الذين يباشرون الشر والفساد (بِبَعْضٍ) آخر منهم بردهم عما هم عليه بما قدر الله تعالى من القتل كما فى القصة المحكية أو غيره وقرىء دفاع الله على أن صيغة المبالغة للمبالغة (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) وبطلت منافعها وتعطلت مصالحها من الحرث والنسل وسائر ما يعمر الأرض ويصلحها وقيل لو لا أن الله ينصر المسلمين على الكافرين لفسدت الأرض بعيثهم وقتلهم المسلمين أو لو لم يدفعهم بالمسلمين لعم الكفر ونزلت السخطة فاستؤصل أهل الأرض قاطبة (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ) عظيم لا يقادر قدره (عَلَى الْعالَمِينَ) كافة وهذا إشارة إلى قياس استثنائى مؤلف من وضع نقيض المقدم منتج لنقيض التالى خلا أنه قد وضع موضعه ما يستتبعه ويستوجبه أعنى كونه تعالى ذا فضل على العالمين إيذانا بأنه تعالى متفضل فى ذلك الدفع من غير أن يجب عليه ذلك وأن فضله تعالى غير منحصر فيه بل هو فرد من أفراد فضله العظيم كأنه قيل ولكنه تعالى يدفع فساد بعضهم ببعض فلا تفسد الأرض وتنتظم به مصالح العالم وتنصلح أحوال الأمم (تِلْكَ) إشارة إلى ما سلف من حديث الألوف وخبر طالوت على التفصيل المرقوم وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو شأن المشار إليه (آياتُ اللهِ) المنزلة من عنده تعالى والجملة مستأنفة وقوله تعالى (نَتْلُوها عَلَيْكَ) أى بواسطة جبريل عليهالسلام إما حال من الآيات والعامل معنى الإشارة وإما جملة مستقلة لا محل لها من الإعراب (بِالْحَقِّ) فى حيز النصب على أنه حال من مفعول نتلوها أى ملتبسة باليقين الذى لا يرتاب فيه أحد من أهل الكتاب وأرباب التواريخ لما يجدونها موافقة لما فى كتهم أو من فاعله أى نتلوها عليك ملتبسين بالحق والصواب أو من الضمير المجرور أى ملتبسا بالحق والصدق (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) أى من جملة الذين أرسلوا إلى الأمم لتبليغ رسالاتنا وإجراء أوامرنا وأحكامنا عليهم فإن هذه المعاملة لا تجرى بيننا وبين غيرهم فهى شهادة منه سبحانه برسالته عليه الصلاة والسلام إثر بيان ما يستوجبها والتأكيد من مقتضيات مقام الجاحدين بها (تِلْكَ الرُّسُلُ) استئناف فيه رمز إلى أنه عليه الصلاة والسلام من