(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)(٢٦٤)
____________________________________
لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا) أى ما أنفقوه أو إنفاقهم (مَنًّا وَلا أَذىً) المن أن يعتد على من أحسن إليه بإحسانه ويريه أنه أوجب بذلك عليه حقا والأذى أن يتطاول عليه بسبب إنعامه عليه وإنما قدم المن لكثرة وقوعه وتوسيط كلمة لا للدلالة على شمول النفى لا تباع كل واحد منهما وثم لإظهار علو رتبة المعطوف قيل نزلت فى عثمان رضى الله عنه حين جهز جيش العسرة بألف بعير بأقتابها وأحلاسها وعبد الرحمن ابن عوف رضى الله عنه حين أتى النبى صلىاللهعليهوسلم بأربعة آلاف درهم صدقة ولم يكد يخطر ببالهما شىء من المن والأذى (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) أى حسبما وعدلهم فى ضمن التمثيل وهو جملة من مبتدأ وخبر وقعت خبرا عن الموصول وفى تكرير الإسناد وتقييد الأجر بقوله (عِنْدَ رَبِّهِمْ) من التأكيد والتشريف ما لا يخفى وتخلية الخبر عن الفاء المفيدة لسببية ما قبلها لما بعدها للإيذان بأن ترتب الأجر على ما ذكر من الإنفاق وترك اتباع المن والأذى أمر بين لا يحتاج إلى التصريح بالسببية وأما إيهام أنهم أهل لذلك وإن لم يفعلوا فكيف بهم إذا فعلوا فيأباه مقام الترغيب فى الفعل والحث عليه (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فى الدارين من لحوق مكروه من المكاره (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) لفوات مطلوب من المطالب قل أو جل أى لا يعتريهم ما يوجبه لا أنه يعتريهم ذلك لكنهم لا يخافون ولا يحزنون ولا أنه لا يعتريهم خوف وحزن اصلا بل يستمرون على النشاط والسرور كيف لا واستشعار الخوف والخشية استعظاما لجلال الله وهيبته واستقصارا للجد والسعى فى إقامة حقوق العبودية من خواص الخواص والمقربين والمراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انفاء دوامهما كما يوهمه كون الخبر فى الجملة الثانية مضارعا لما أن النفى وإن دخل على نفس المضارع يفيد الدوام والاستمرار بحسب المقام (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) أى كلام جميل تقبله القلوب ولا تنكره يرد به السائل من غير إعطاء شىء (وَمَغْفِرَةٌ) أى ستر لما وقع من السائل من الإلحاف فى المسألة وغيره مما يثقل على المسئول وصفح عنه وإنما صح الابتداء بالنكرة فى الأول لاختصاصها بالوصف وفى الثانى بالعطف أو بالصفة المقدرة أى ومغفرة كائنة من المسئول (خَيْرٌ) أى للسائل (مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) لكونها مثوبة بضرر ما يتبعها وخلوص الأولين من الضرر والجملة مستأنفة مقررة لاعتبار ترك اتباع المن والأذى وتفسير المغفرة بنيل مغفرة من الله تعالى بسبب الرد الجميل أو بعفو السائل بناء على اعتبار الخيرية بالنسبة إلى المسئول يؤدى إلى أن يكون فى الصدقة الموصوفة بالنسبة إليه خير فى الجملة مع بطلانها بالمرة (وَاللهُ غَنِيٌّ) لا يحوج الفقراء إلى تحمل مؤنة المن والأذى ويرزقهم من جهة أخرى (حَلِيمٌ) لا يعاجل أصحاب المن والأذى بالعقوبة لا أنهم لا يستحقونها بسببهما والجملة تذييل لما قبلها مشتمل على الوعد والوعيد مقرر لاعتبار الخيرية بالنسبة إلى السائل قطعا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)