(يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (١٧٣)
____________________________________
عن أن تخاف وتحذر أى لا يعتريهم ما يوجب ذلك لا أنه يعتريهم ذلك لكنهم لا يخافون ولا يحزنون والمراد بيان دوام انتفاء الخوف والحزن لا بيان انتفاء دوامهما كما يوهمه كون الخبر فى الجملة الثانية مضارعا فإن النفى وإن دخل على نفس المضارع يفيد الدوام والاستمرار بحسب المقام (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ) كرر لبيان أن الاستبشار المذكور ليس بمجرد عدم الخوف والحزن بل به وبما يقارنه من نعمة عظيمة لا يقادر قدرها وهى ثواب أعمالهم وقد جوز أن يكون الأول متعلقا بحال إخوانهم وهذا بحال أنفسهم بيانا لبعض ما أجمل فى قوله تعالى (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ (مِنَ اللهِ) متعلق بمحذوف وقع صفة لنعمة مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أى كائنة منه تعالى (وَفَضْلٍ) أى زيادة عظيمة كما فى قوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ (وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) بفتح أن عطف على فضل منتظم معه فى سلك المستبشر به والمراد بالمؤمنين إما الشهداء والتعبير عنهم بالمؤمنين للإيذان بسمو رتبة الإيمان وكونه مناطا لما نالوه من السعادة وإما كافة أهل الإيمان من الشهداء وغيرهم ذكرت توفية أجورهم على إيمانهم وعدت من جملة ما يستبشر به الشهداء بحكم الأخوة فى الدين وقرىء بكسرها على أنه استئناف معترض دال على أن ذلك أجر لهم على إيمانهم مشعر بأن من لا إيمان له أعماله محبطة لا أجر لها وفيه من الحث على الجهاد والترغيب فى الشهادة والبعث على ازدياد الطاعة وبشرى المؤمنين بالفلاح ما لا يخفى (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) صفة مادحة للمؤمنين لا مخصصة أو نصب على المدح أو رفع على الابتداء والخبر قوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) بجملته ومن للبيان والمقصود من الجمع بين الوصفين المدح والتعليل لا التقييد لأن المستجيبين كلهم محسنون ومتقون. روى أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد فبلغوا الروحاء ندموا وهموا بالرجوع فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأراد أن يرهبهم ويريهم من نفسه وأصحابه قوة فندب أصحابه للخروج فى طلب أبى سفيان وقال لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس فخرج صلىاللهعليهوسلم مع جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد وهى من المدينة على ثمانية أميال وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر وألقى الله تعالى الرعب فى قلوب المشركين فذهبوا فنزلت (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) يعنى الركب الذين