(وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) (٣٦)
____________________________________
الأمر على التقدير المسكوت عنه أعنى عدم الإطاعة المؤدى إلى المخاصمة والمرافعة إليهم والشقاق المخالفة إما لأن كلا منهما يريد ما يشق على الآخر وإما لأن كلا منهما فى شق أى جانب غير شق الآخر والخوف ههنا بمعنى العلم قاله ابن عباس والجزم بوجود الشقاق لا ينافى بعث الحكمين لأنه لرجاء إزالته لا لتعرف وجوده بالفعل وقيل بمعنى الظن وضمير الثنية للزوجين وإن لم يجر لهما ذكر لجرى ما يدل عليها وإضافة الشقاق إلى الظرف إما على إجرائه مجرى المفعول به كما فى قوله [يا سارق الليلة] أو مجرى الفاعل كما فى قولك نهاره صائم أى إن علمتم أو ظننتم تأكد المخالفة بحيث لا يقدر الزوج على إزالتها (فَابْعَثُوا) أى إلى الزوجهين لإصلاح ذات البين (حَكَماً) رجلا وسطا صالحا للحكومة والإصلاح (مِنْ أَهْلِهِ) من أهل الزوج (وَحَكَماً) آخر على صفة الأول (مِنْ أَهْلِها) فإن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح وهذا على وجه الاستحباب فلو نصبا من الأجانب جاز واختلف فى أنهما هل يليان الجمع والتفريق إن رأيا ذلك فقيل لهما ذلك وهو المروى عن على رضى الله عنه وبه قال الشعبى وعن الحسن يجمعان ولا يفرقان وقال مالك لهما أن يتخالعا إن كان الصلاح فيه (إِنْ يُرِيدا) أى الحكمان (إِصْلاحاً) أى إن قصدا إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه الله تعالى (يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) يوقع بين الزوجين الموافقة والألفة وألقى فى نفوسهما المودة والرأفة وعدم التعرض لذكر عدم إرادتهما الإصلاح لما ذكر من الإيذان بأن ذلك ليس مما ينبغى أن يفرض صدوره عنهما وأن الذى يليق بشأنهما ويتوقع صدوره عنهما هو إرادة الإصلاح وفيه مزيد ترغيب للحكمين فى الإصلاح وتحذير عن المساهلة كيلا ينسب اختلال الأمر إلى عدم إرادتهما فإن الشرطية الناطقة بدوران وجود التوفيق على وجود الإرادة منبئة عن دوران عدمه على عدمها. وقيل كلا الضميرين للحكمين أى إن قصد الإصلاح يوفق الله بينهما فتتفق كلمتهما ويحصل مقصودهما وقيل كلاهما للزوجين أى إن أرادا إصلاح ما بينهما من الشقاق أوقع الله تعالى بينهما الألفة والوفاق وفيه تنبيه على أن من أصلح نيته فيما يتوخاه وفقه الله تعالى لمبتغاه (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) بالظواهر والبواطن فيعلم كيف يرفع الشقاق ويوقع الوفاق (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) كلام مبتدأ مسوق لبيان الأحكام المتعلقة بحقوق الوالدين والأقارب ونحوهم أثر بيان الأحكام المتعلقة بحقوق الأزواج صدر بما يتعلق بحقوق الله عزوجل التى هى آكد الحقوق وأعظمها تنبيها على جلالة شأن حقوق الوالدين بنظمها فى سلكها كما فى سائر المواقع وشيئا نصب على أنه مفعول أى لا تشركوا به شيئا من الأشياء صنما أو غيره أو على أنه مصدر أى لا تشركوا به شيئا من الإشراك جليا أو خفيا (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أى أحسنوا بهما إحسانا