(فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) (٨٨)
____________________________________
أخباره وبيان لاستحالته كيف لا والكذب محال عليه سبحانه دون غيره (فَما لَكُمْ) مبتدأ وخبر والاستفهام للإنكار والنفى والخطاب لجميع المؤمنين لكن ما فيه من معنى التوبيخ متوجه إلى بعضهم وقوله تعالى (فِي الْمُنافِقِينَ) متعلق إما بما تعلق به الخبر أى أى شىء كائن لكم فيهم أى فى أمرهم وشأنهم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وإما بما يدل عليه قوله تعالى (فِئَتَيْنِ) من معنى الافتراق أى فمالكم تفترقون فى المنافقين وإما بمحذوف وقع حالا من فئتين أى كائنتين فى المنافقين لأنه فى الأصل صفة فلما قدمت انتصبت حالا كما هو شأن صفات النكرات على الإطلاق أو من الضمير فى تفترقون وانتصاب فئتين عند البصريين على الحالية من المخاطبين والعامل ما فى لكم من معنى الفعل كما فى قوله تعالى (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) وعند الكوفيين على خبرية كان مضمرة أى فما لكم فى المنافقين كنتم فئتين والمراد إنكار أن يكون للمخاطبين شىء مصحح لاختلافهم فى أمر المنافقين وبيان وجوب بت القول بكفرهم وإجرائهم مجرى المجاهرين بالكفر فى جميع الأحكام وذكرهم بعنوان النفاق باعتبار وصفهم السابق. روى أنهم قوم من المنافقين استأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى الخروج إلى البدو معتلين باجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة فمرحلة حتى لحقوا بالمشركين فاختلف المسلمون فى أمرهم وقيل هم قوم هاجروا من مكة إلى المدينة ثم بدالهم فرجعوا وكتبوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنا على دينك وما أخرجنا إلا اجتواء المدينة والاشتياق إلى بلدنا وقيل هم ناس أظهروا الإسلام وقعدوا عن الهجرة وقيل هم قوم خرجوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد ثم رجعوا ويأباه ما سيأتى من جعل هجرتهم غاية للنهى عن توليهم وقيل هم العرنيون الذين أغاروا على السرح وقتلوا راعى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ويرده ما سيأتى من الآيات الناطقة بكيفية المعاملة معهم من السلم والحرب وهؤلاء قد أخذوا وفعل بهم ما فعل من المثلة والقتل ولم ينقل فى أمرهم اختلاف المؤمنين (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ) حال من المنافقين مفيدة لتأكيد الإنكار السابق واستبعاد وقوع المنكر ببيان وجود النافى بعد بيان عدم الداعى وقيل من ضمير المخاطبين والرابط هو الواو أى أى شىء يدعوكم إلى الاختلاف فى كفرهم مع تحقق ما يوجب اتفاقكم على كفرهم وهو أن الله تعالى قد ردهم فى الكفر كما كانوا (بِما كَسَبُوا) بسبب ما كسبوه من الارتداد واللحوق بالمشركين والاحتيال على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم والعائد إلى الموصول محذوف وقيل ما صدرية أى بكسبهم وقيل معنى أركسهم نكسهم بأن صيرهم للنار وأصل الركس رد الشىء مقلوبا وقرىء ركسهم مشددا وركسهم أيضا مخففا (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) تجريد للخطاب وتخصيص له بالقائلين بإيمانهم من الفئتين وتوبيخ لهم على زعمهم ذلك وإشعار بأنه يؤدى إلى محاولة المحال الذى هو هداية من أضله الله تعالى وذلك لأن الحكم بإيمانهم وادعاء اهتدائهم وهم بمعزل من ذلك سعى فى هدايتهم وإرادة لها ووضع الموصول موضع ضمير المنافقين لتشديد الإنكار