(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٣٥) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) (١٣٦)
____________________________________
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) مبالغين فى العدل وإقامة القسط فى جميع الأمور مجتهدين فى ذلك حق الاجتهاد (شُهَداءَ لِلَّهِ) بالحق تقيمون شهاداتكم لوجه الله تعالى وهو خبر ثان وقيل حال (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) أى ولو كانت الشهادة على أنفسكم بأن تقروا عليها على أن الشهادة عبارة عن الإخبار بحق الغير سواء كان ذلك عليه أو على ثالث بأن تكون الشهادة مستتبعة لضرر ينالكم من جهة المشهود عليه (أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) أى ولو كان على والديكم وأقاربكم (إِنْ يَكُنْ) أى المشهود عليه (غَنِيًّا) يبتغى فى العادة رضاه ويتقى سخطه (أَوْ فَقِيراً) يترحم عليه غالبا وقرىء إن يكن غنى أو فقير على أن كان تامة وجواب الشرط محذوف لدلالة قوله تعالى (فَاللهُ أَوْلى بِهِما) عليه أى فلا تمتنعوا عنها طلبا لرضا الغنى أو ترحما على الفقير فإن الله تعالى أولى بجنسى الغنى والفقير المدلول عليهما بما ذكر ولو لا أن الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها وقرىء أولى بهم (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) أى مخافة أن تعدلوا عن الحق فإن اتباع الهوى من مظان الجور الذى حقه أن يخاف ويحذر وقيل كراهة أن تعدلوا بين الناس أو إرادة أن تعدلوا عن الحق (وَإِنْ تَلْوُوا) أى ألسنتكم عن شهادة الحق أو حكومة العدل بأن تأتوا بها لا على وجهها وقرىء وإن تلوا من الولاية والتصدى أى وإن وليتم إقامة الشهادة (أَوْ تُعْرِضُوا) أى عن إقامتها رأسا (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ) من لى الألسنة والإعراض بالكلية أو من جميع الأعمال التى من جملتها ما ذكر (خَبِيراً) فيجازيكم لا محالة على ذلك فهو على القراءة المشهورة وعيد محض وعلى القراءة الأخيرة متضمن للوعيد (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) خطاب لكافة المسلمين فمعنى قوله تعالى (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) اثبتوا على الإيمان بذلك وداوموا عليه وازدادوا فيه طمأنينة ويقينا أو آمنوا بما ذكر مفصلا بناء على أن إيمان بعضهم إجمالى والمراد بالكتاب الثانى الجنس المنتظم لجميع الكتب السماوية لقوله تعالى (وَكُتُبِهِ) وبالإيمان به الإيمان بأن كل كتاب من تلك الكتب منزل منه تعالى على رسول معين لإرشاد أمته إلى ما شرع لهم من الدين بالأوامر والنواهى لكن لا على أن مدار الإيمان بكل واحد من تلك الكتب خصوصية ذلك الكتاب ولا على أن أحكام تلك الكتب وشرائعها باقية بالكلية ولا على أن الباقى منها معتبر بالإضافة إليها بل على أن الإيمان بالكل