(إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً(١٤٦) ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧) لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً) (١٤٨)
____________________________________
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) وهو الطبقة التى فى قعر جهنم وإنما كان كذلك لأنهم أخبث الكفرة حيث ضموا إلى الكفر الاستهزاء بالإسلام وأهله وخداعهم وأما قوله صلىاللهعليهوسلم ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان ونحوه فمن باب التشديد والتهديد والتغليظ مبالغة فى الزجر وتسمية طبقاتها السبع دركات لكونها متداركة متتابعة بعضها تحت بعض وقرىء بفتح الراء وهو لغة كالسطر والسطر ويعضده أن جمعه أدراك (وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) يخلبصهم منه والخطاب كما سبق (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) أى عن النفاق وهو استثناء من المنافقين بل من ضميرهم فى الخبر (وَأَصْلَحُوا) ما أفسدوا من أحوالهم فى حال النفاق (وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ) أى وثقوا به وتمسكوا بدينه (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ) أى جعلوه خالصا (بِاللهِ) لا يبتغون بطاعتهم إلا وجهه (فَأُولئِكَ) إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما فى حيز الصلة وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد المنزلة وعلو الطبقة (مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) أى المؤمنين المعهودين الذين لم يصدر عنهم نفاق أصلا منذ آمنوا وإلا فهم أيضا مؤمنون أى معهم فى الدرجات العالية من الجنة وقد بين ذلك بقوله تعالى (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) لا يقادر قدره فيساهمونهم فيه (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) استئناف مسوق لبيان أن مدار تعذيبهم وجودا وعدما إنما هو كفرهم لا شىء آخر فيكون مقررا لما قبله من إثابتهم عن توبتهم وما استفهامية مفيدة للنفى على أبلغ وجه وآكده أى أى شىء يفعل الله سبحانه بتعذيبكم أيتشفى به من الغيظ أم يدرك به الثأر أم يستجلب به نفعا أم يستدفع به ضررا كما هو شأن الملوك وهو الغنى المتعالى عن أمثال ذلك وإنما هو أمر يقتضيه كفركم فإذا زال ذلك بالإيمان والشكر انتفى التعذيب لا محالة وتقديم الشكر على الإيمان لما أنه طريق موصل إليه فإن النظر يدرك أولا ما عليه من النعم الأنفسية والآفاقية فيشكر شكرا مبهما ثم يترقى إلى معرفة المنعم فيؤمن به وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه (وَكانَ اللهُ شاكِراً) الشكر من الله سبحانه هو الرضا باليسير من طاعة عباده وأضعاف الثواب بمقابلته (عَلِيماً) مبالغا فى العلم بجميع المعلومات التى من جملتها شكركم وإيمانكم فيستحيل أن لا يوفيكم أجوركم (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) عدم محبته تعالى لشىء كناية عن سخطه والباء متعلقة بالجهر ومن بمحذوف وقع حالا من السوء أى لا يحب الله تعالى أن يجهر أحد بالسوء كائنا من القول (إِلَّا مَنْ