(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (١٦٣)
____________________________________
فعل تقديره وأعنى المقيمين الصلاة على أن الجملة معترضة بين المبتدأ والخبر وقيل هو عطف على ما أنزل إليك على أن المراد بهم الأنبياء عليهمالسلام أى يؤمنون بالكتب وبالأنبياء أو الملائكة قال مكى أى ويؤمنون بالملائكة الذين صفتهم إقامة الصلاة لقوله تعالى (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) وقيل عطف على الكاف فى إليك أى يؤمنون بما أنزل إليك وإلى المقيمين الصلاة وهم الأنبياء وقيل على الضمير المجرور فى منهم أى لكن الراسخون فى العلم منهم ومن المقيمين الصلاة وقرىء بالرفع على أنه معطوف على المؤمنون بناء على ما مر من تنزيل التغاير العنوانى منزلة التغاير الذاتى وكذا الحال فيما سيأتى من المعطوفين فإن قوله تعالى (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) عطف على المؤمنون مع اتحاد الكل ذاتا وكذا الكلام فى قوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فإن المراد بالكل مؤمنو أهل الكتاب قد وصفوا أولا بكونهم راسخين فى علم الكتاب إيذانا بأن ذلك موجب للإيمان حتما وأن من عداهم إنما بقوا مصرين على الكفر لعدم رسوخهم فيه ثم بكونهم مؤمنين بجميع الكتب المنزلة على الأنبياء ثم بكونهم عاملين بما فيها من الشرائع والأحكام واكتفى من بينها بذكر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المستتبعين لسائر العبادات البدنية والمالية ثم بكونهم مؤمنين بالمبدأ والمعاد تحقيقا لحيازتهم الإيمان بقطريه وإحاطتهم به من طرفيه وتعريضا بأن من عداهم من أهل الكتاب ليسوا بمؤمنين بواحد منهما حقيقة فإنهم بقولهم عزير ابن الله مشركون بالله سبحانه وبقولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة كافرون باليوم الآخر وقوله تعالى (أُولئِكَ) إشارة إليهم باعتبار اتصافهم بما عدد من الصفات الجميلة وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو درجتهم وبعد منزلتهم فى الفضل وهو مبتدأ وقوله تعالى (سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) خبره والجملة خبر للمبتدأ الذى هو الراسخون وما عطف عليه والسين لتأكيد الوعد وتنكير الأجر للتفخيم وهذا أنسب بتجاوب طرفى الاستدراك حيث أوعد الأولون بالعذاب الأليم ووعد الآخرون بالأجر العظيم كأنه قيل إثر قوله تعالى (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) لكن المؤمنون منهم سنؤتيهم أجرا عظيما وأما ما جنح إليه الجمهور من جعل قوله تعالى (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ألخ خبرا للمبتدأ ففى كمال السداد خلا أنه غير متعرض لتقابل الطرفين وقرىء سيؤتيهم بالياء مراعاة لظاهر قوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله عليه الصلاة والسلام أن ينزل عليهم كتابا من السماء واحتجاح عليهم بأنه ليس بدعا من الرسل وإنما شأنه فى حقيقة الإرسال وأصل الوحى كشأن سائر مشاهير الأنبياء الذين لا ريب لأحد فى نبوتهم والكاف فى محل النصب على أنه نعت لمصدر محذوف أى إيحاء مثل إيحائنا إلى نوح أو على أنه