(إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (٥٢)
____________________________________
يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) عطف على المضمر الذى تعلق به قوله تعالى (بِآيَةٍ) أى قد جئتكم ملتبسا بآية الخ (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَ) الخ أو على (رَسُولاً) على الأوجه الثلاثة فإن (مُصَدِّقاً) فيه معنى النطق كما فى (رَسُولاً) أى ويجعله مصدقا ناطقا بأنى أصدق الخ أو ويقول أرسلت رسولا بأنى قد جئتكم الخ ومصدقا الخ أو حال كونه مصدقا ناطقا بأنى أصدق الخ أو منصوب بإضمار فعل دل عليه قد جئتكم أى وجئتكم مصدقا الخ وقوله من التوراة إما حال من الموصول والعامل مصدقا وإما من ضميره المستتر فى الظرف الواقع صلة والعامل الاستقرار المضمر فى الظرف أو نفس الظرف لقيامه مقام الفعل (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ) معمول لمضمر دل عليه ما قبله أى وجئتكم لأحل الخ وقيل عطف على معنى مصدقا كقولهم جئته معتذرا ولأجتلب رضاه كأنه قيل قد جئتكم لأصدق ولأحل الخ وقيل عطف على بآية أى قد جئتكم بآية من ربكم ولأحل لكم (بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) أى فى شريعة موسى عليه الصلاة والسلام من الشحوم والثروب والسمك ولحوم الإبل والعمل فى السبت قيل أحل لهم من السمك والطير ما لا صئصئة له واختلف فى إحلال السبت وقرىء حرم على تسمية الفاعل وهو ما بين يدى أو الله عزوجل وقرىء حرم بوزن كرم وهذا يدل على أن شرعه كان ناسخا لبعض أحكام التوراة ولا يخل ذلك بكونه مصدقا لها لما أن النسخ فى الحقيقة بيان وتخصيص فى الأزمان وتأخير المفعول عن الجار والمجرور لما مر مرارا من المبادرة إلى ذكر ما يسر المخاطبين والتشويق إلى ما أخر (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) شاهدة على صحة رسالتى وقرىء بآيات (فَاتَّقُوا اللهَ) فى عدم قبولها ومخالفة مدلولها (وَأَطِيعُونِ) فيما آمركم به وأنهاكم عنه بأمر الله تعالى وتلك الآية هى قولى (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) فإنه الحق الصريح الذى أجمع عليه الرسل قاطبة فيكون آية بينة على أنه عليه الصلاة والسلام من جملتهم وقرىء أن الله بالفتح بدلا من آية أو قد جئتكم بآية على أن الله ربى وربكم وقوله فاتقوا الله وأطيعون اعتراض والظاهر أنه تكرير لما سبق أى قد جئتكم بآية بعد آية مما ذكرت لكم من خلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص والإحياء والإنباء بالخفيات ومن غيره من ولادتى بغير أب ومن كلامى فى المهد ومن غير ذلك والأول لتمهيد الحجة والثانى لتقريبها إلى الحكم ولذلك رتب عليه بالفاء قوله فاتقوا الله أى لما جئتكم بالمعجزات الباهرة والآيات الظاهرة فاتقوا الله فى المخالفة وأطيعون فيما أدعوكم إليه ومعنى قراءة من فتح ولأن الله ربى وربكم فاعبدوه كقوله تعالى (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) الخ ثم شرع فى الدعوة وأشار إليها بالقول المجمل فقال (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) إشارة إلى أن استكمال القوة النظرية بالاعتقاد الحق الذى غايته التوحيد وقال فاعبدوه إشارة إلى استكمال القوة العملية فإنه يلازم الطاعة التى هى الإتيان بالأوامر والانتهاء عن المناهى ثم قرر ذلك بأن بين أن الجمع بين الأمرين هو الطريق المشهود له بالاستقامة ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام قل آمنت بالله ثم استقم (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) شروع فى بيان مآل