(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٩١) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٩٢)
____________________________________
عدم توبتهم بعدم قبولها تغليظا فى شأنهم وإبرازا لحالهم فى صورة حال الآيسين من الرحمة أو لأن توبتهم لا تكون إلا نفاقا لارتدادهم وازديادهم كفرا ولذلك لم تدخل فيه الفاء (وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) الثابتون على الضلال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) لما كان الموت على الكفر سببا لامتناع قبول الفدية زيدت الفاء ههنا للإشعار به وملء الشىء ما يملأ به وذهبا تمييز وقرىء بالرفع على أنه بدل من ملء أو خبر لمحذوف ولو افتدى محمول على المعنى كأنه قيل فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا أو معطوف على مضمر تقديره فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو تصدق به فى الدنيا ولو افتدى به من العذاب فى الآخرة أو المراد ولو افتدى بمثله كقوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ) والمثل يحذف ويراد كثيرا لأن المثلين فى حكم شىء واحد (أُولئِكَ) إشارة إلى المذكورين باعتبار اتصافهم بالصفات الشنيعة المذكورة (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم اسم الإشارة مبتدأ والظرف خبره ولاعتماده على المبتدأ ارتفع به عذاب أليم على الفاعلية (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) فى دفع العذاب عنهم أو فى تخفيفه ومن مزيدة للاستغراق وصيغة الجمع لمراعاة الضمير أى ليس لواحد منهم ناصر واحد (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) من ناله نيلا إذا أصابه والخطاب للمؤمنين وهو كلام مستأنف سيق لبيان ما ينفع المؤمنين ويقبل منهم إثر بيان ما لا ينفع الكفرة ولا يقبل منهم أى لن تبلغوا حقيقة البر الذى يتنافس فيه المتنافسون ولن تدركوا شأوه ولن تلحقوا بزمزة الأبرار أو لن تنالوا برا لله تعالى وهو ثوابه ورحمته ورضاه وجنته (حَتَّى تُنْفِقُوا) أى فى سبيل الله عزوجل رغبة فيما عنده ومن فى قوله تعالى (مِمَّا تُحِبُّونَ) تبعيضية ويؤيده قراءة من قرأ بعض ما تحبون وقيل بيانية وما موصولة أو موصوفة أى مما تهوون ويعجبكم من كرائم أموالكم وأحبها إليكم كما فى قوله تعالى (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) أو مما يعمها وغيرها من الأعمال والمهجة على أن المراد بالإنفاق مطلق البذل وفيه من الإيذان بعزة منال البر ما لا يخفى وكان السلف رضى الله عنهم إذا أحبوا شيئا جعلوه لله عزوجل وروى أنها لما نزلت جاء أبو طلحة فقال يا رسول الله إن أحب أموالى إلى بيرحاء فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال عليهالسلام بخ بخ ذاك مال رايح أو رابح وإنى أرى أن تجعلها فى الأقربين فقسمها فى أقاربه وجاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها فقال هذه فى سبيل الله فحمل على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم أسامة بن زيد فكأن زيدا وجد فى نفسه وقال إنما أردت أن أتصدق به فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أما إن الله تعالى قد قبلها منك. قيل وفيه دلالة على أن إنفاق أحب الأموال على أقرب الأقارب أفضل وكتب عمر رضى الله عنه إلى أبى موسى الأشعرى أن يشترى له جارية من سبى جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى فلما جاءت إليه أعجبته