(كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٩٣)
____________________________________
فقال إن الله تعالى يقول (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) فأعتقها. وروى أن عمر بن عبد العزيز كانت لزوجته جارية بارعة الجمال وكان عمر راغبا فيها وكان قد طلبها منها مرارا فلم تعطها إياه ثم لما ولى الخلافة زينتها وأرسلها إليه فقالت قد وهبتكها يا أمير المؤمنين فلتخدمك قال من أين ملكتها قالت جئت بها من بيت أبى عبد الملك ففتش عن كيفية تملكه إياها فقيل إنه كان على فلان العامل ديون فلما توفى أخذت من تركته ففتش عن حال العامل وأحضر ورثته وأرضاهم جميعا بإعطاء المال ثم توجه إلى الجارية وكان يهواها هوى شديدا فقال أنت حرة لوجه الله تعالى فقالت لم يا أمير المؤمنين وقد أزحت عن أمرها كل شبهة قال لست إذن ممن نهى النفس عن الهوى (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ) ما شرطية جازمة لتنفقوا منتصبة به على المفعولية ومن تبعيضية متعلقة بمحذوف هو صفة لاسم الشرط أى أى شىء تنفقوا كائنا من الأشياء فإن المفرد فى مثل هذا الموضع واقع موقع الجمع وقيل محل الجار والمجرور النصب على التمييز أى أى شىء تنفقوا طيبا تحبونه أو خبيثا تكرهونه (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) تعليل لجواب الشرط واقع موقعه أى فمجازيكم بحسبه جيدا كان أو رديئا فإنه تعالى عليم بكل شىء تنفقونه علما كاملا بحيث لا يخفى عليه شىء من ذاته وصفاته وتقديم الجار والمجرور لرعاية الفواصل وفيه من الترغيب فى إنفاق الجيد والتحذير عن إنفاق الردىء ما لا يخفى (كُلُّ الطَّعامِ) أى كل أفراد المطعوم أو كل أنواعه (كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أى حلالا لهم فإن الحل مصدر نعت به ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث كما فى قوله تعالى (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) استثناء متصل من اسم كان أى كان كل المطعومات حلالا لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل أى يعقوب عليهالسلام على نفسه وهو لحوم الإبل وألبانها قيل كان به وجع النسا فنذر لئن شفى لا يأكل أحب الطعام إليه وكان ذلك أحبه إليه وقيل فعل ذلك للتداوى بإشارة الأطباء واحتج به من جوز للنبى الاجتهاد وللمانع أن يقول كان ذلك بأذن من الله تعالى فيه فهو كتحريمه ابتداء (مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) متعلق بقوله تعالى (كانَ حِلًّا) ولا ضير فى توسيط الاستثناء بينهما وقيل متعلق بحرم وفيه أن تقييد تحريمه عليهالسلام بقبلية تنزيل التوراة ليس فيه مزيد فائدة أى كان ما عدا المستثنى حلالا لهم قبل أن تنزل التوراة مشتملة على تحريم ما حرم عليهم لظلمهم وبغيهم عقوبة لهم وتشديدا وهو رد على اليهود فى دعواهم البراءة عما نعى عليهم قوله تعالى (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) وقوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) الآيتين بأن قالوا لسنا أول من حرمت عليه وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعدهما حتى انتهى الأمر إلينا فحرمت علينا كما حرمت على من قبلنا وتبكيت لهم فى منع النسخ والطعن فى دعوى الرسول صلىاللهعليهوسلم موافقته لإبراهيم عليهالسلام بتحليله لحوم الإبل وألبانها (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ