(وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١٣٤)
____________________________________
لِلْكافِرِينَ) بالتحرز عن متابعتهم وتعاطى ما يتعاطونه كان أبو حنيفة رحمهالله تعالى يقول هى أخوف آية فى القرآن حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه فى اجتناب محارمه (وَأَطِيعُوا اللهَ) فى كل ما أمركم به ونهاكم عنه (وَالرَّسُولَ) الذى يبلغكم أوامره ونواهيه (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) راجين لرحمته. عقب الوعيد بالوعد ترهيبا عن المخالفة وترغيبا فى الطاعة وإيراد لعل فى الموضعين للإشعار بعزة منال الفلاح والرحمة قال محمد بن إسحق هذه الآية معاتبة للذين عصوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين أمرهم بما أمرهم يوم أحد (وَسارِعُوا) عطف على (أَطِيعُوا) وقرىء بغير واو على وجه الاستئناف أى بادروا وأقبلوا وقرىء سابقوا (إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) أى إلى ما يؤدى إليهما وقيل إلى الإسلام وقيل إلى التوبة وقيل إلى الإخلاص وقيل إلى الجهاد وقيل إلى أداء جميع الواجبات وترك جميع المنهيات فيدخل فيها ما مر من الأمور المأمور بها والمنهى عنها دخولا أوليا وتقديم المغفرة على الجنة لما أن التخلية متقدمة على التحلية ومن متعلقة بمحذوف وقع صفة لمغفرة أى كائنة من ربكم والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين لإظهار مزيد اللطف بهم وقوله تعالى (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أى كعرضهما صفة لجنة وتخصيص العرض بالذكر للمبالغة فى وصفها بالسعة والبسطة على طريقة التمثيل فإن العرض فى العادة أدنى من الطول وعن ابن عباس رضى الله عنهما كسبع سموات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) فى حيز الجر على أنه صفة أخرى لجنة أو فى محل النصب على الحالية منها لتخصصها بالصفة أى هيئت لهم وفيه دليل على أن الجنة مخلوقة الآن وأنها خارجة عن هذا العالم (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) فى محل الجر على أنه نعت للمتقين مادح لهم أو بدل منه أو بيان أو فى حيز النصب أو الرفع على المدح ومفعول ينفقون محذوف ليتناول كل ما يصلح للإنفاق أو متروك بالكلية كما فى قولك يعطى ويمنع (فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) فى حالتى الرخاء والشدة واليسر والعسر أو فى الأحوال كلها إذ الإنسان لا يخلو عن مسرة أو مضرة أى لا يخلون فى حال ما بإنفاق ما قدروا عليه من قليل أو كثير (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) عطف على الموصول والعدول إلى صيغة الفاعل للدلالة على الاستمرار وأما الإنفاق فحيث كان أمرا متجددا عبر عنه بما يفيد الحدوث والتجدد والكظم الحبس يقال كظم غيظه أى حبسه قال المبرد تأويله أنه كتمه على امتلائه منه يقال كظمت السقاء إذا ملأته وشددت عليه أى الممسكين عليه الكافين عن إمضائه مع القدرة عليه وعن النبى صلىاللهعليهوسلم من كظم غيظا وهو قادر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ)