(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١٨)
____________________________________
أراد أن يهلك المسيح لتهويل الخطب وإظهار كمال العجز ببيان أن الكل تحت قهره تعالى وملكوته لا يقدر أحد على دفع ما أريد به فضلا عن دفع ما أريد بغيره وللإيذان بأن المسيح أسوة لسائر المخلوقات فى كونه عرضة للهلاك كما أنه أسوة لها فيما ذكر من العجز وعدم استحقاق الألوهية وتخصيص أمه بالذكر مع اندراجها فى ضمن من فى الأرض لزيادة تأكيد عجز المسيح ولعل نظمها فى سلك من فرض إرادة إهلاكهم مع تحقق هلاكها قبل ذلك لتأكيد التبكيت وزيادة تقرير مضمون الكلام بجعل حالها أنموذجا لحال بقية من فرض إهلاكه كأنه قيل قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح وأمه ومن فى* الأرض وقد أهلك أمه فهل مانعه أحد فكذا حال من عداها من الموجودين وقوله تعالى (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) أى ما بين قطرى العالم الجسمانى لا بين وجه الأرض ومقعر فلك القمر فقط فيتناول ما فى السموات من الملائكة عليهمالسلام وما فى أعماق الأرض والبحار من المخلوقات تنصيص على كون الكل تحت قهره تعالى وملكوته إثر الإشارة إلى كون البعض أى من فى الأرض كذلك أى له تعالى وحده ملك جميع الموجودات والتصرف المطلق فيها إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة لا لأحد سواه استقلالا ولا اشتراكا فهو تحقيق لاختصاص الألوهية به تعالى إثر بيان انتفائها عن كل* ما سواه وقوله تعالى (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) جملة مستأنفة مسوقة لبيان بعض أحكام الملك والألوهية على وجه يزيح ما اعتراهم من الشبهة فى أمر المسيح لولادته من غير أب وخلق الطير وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص أى يخلق ما يشاء من أنواع الخلق والإيجاد على أن ما نكرة موصوفة محلها النصب على المصدرية لا على المفعولية كأنه قيل يخلق أى خلق يشاؤه فتارة يخلق من غير أصل كخلق السموات والأرض وأخرى من أصل كخلق ما بينهما فينشىء من أصل ليس من جنسه كخلق آدم وكثير من الحيوانات ومن أصل يجانسه إما من ذكر وحده كخلق حواء أو أنثى وحدها كخلق عيسى عليهالسلام أو منهما كخلق سائر الناس ويخلق بلا توسط شىء من المخلوقات كخلق عامة المخلوقات وقد يخلق بتوسط مخلوق آخر كخلق الطير على يد عيسى عليهالسلام معجزة له وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك فيجب أن ينسب كله* إليه تعالى لا إلى من أجرى ذلك على يده (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله وإظهار الاسم الجليل للتعليل وتقوية استقلال الجملة (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) حكاية لما صدر عن الفريقين من الدعوى الباطلة وبيان لبطلانها بعد ذكر ما صدر عن أحدهما وبيان بطلانه أى قالت اليهود نحن أشياع ابنه عزير وقالت النصارى نحن أشياع ابنه المسيح كما قيل لأشياع أبى خبيب وهو عبد الله بن الزبير الخبيبيون وكما يقول أقارب الملوك عند المفاخرة نحن الملوك وقال ابن