(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٩)
____________________________________
عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلىاللهعليهوسلم دعا جماعة من اليهود إلى دين الإسلام وخوفهم بعقاب الله تعالى فقالوا كيف تخوفنا به ونحن أبناء الله وأحباؤه وقيل إن النصارى يتلون فى الإنجيل أن المسيح قال لهم إنى ذاهب إلى أبى وأبيكم وقيل أرادوا أن الله تعالى كالأب لنا فى الحنو والعطف ونحن كالأبناء له فى القرب والمنزلة وبالجملة أنهم كانوا يدعون أن لهم فضلا ومزية عند الله تعالى على سائر الخلق فرد عليهم ذلك وقيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم (قُلْ) إلزاما لهم وتبكيتا (فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) أى إن صح ما زعمتم* فلأى شىء يعذبكم فى الدنيا بالقتل والأسر والمسخ وقد عرفتم بأنه تعالى سيعذبكم فى الآخرة بالنار أياما بعدد أيام عبادتكم العجل ولو كان الأمر كما زعمتم لما صدر عنكم ما صدر ولما وقع عليكم ما وقع وقوله تعالى (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ) عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أى لستم كذلك بل أنتم بشر (مِمَّنْ خَلَقَ) أى* من جنس من خلقه الله تعالى من غير مزية لكم عليهم (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) أن يغفر له من أولئك المخلوقين* وهم الذين آمنوا به تعالى وبرسله (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) أن يعذبه منهم وهم الذين كفروا به وبرسله مثلكم* (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) من الموجودات لا ينتمى إليه سبحانه شىء منها إلا بالمملوكية* والعبودية والمقهورية تحت ملكوته يتصرف فيهم كيف يشاء إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة وإثابة وتعذيبا فأنى لهم ادعاء ما زعموا (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) فى الآخرة خاصة لا إلى غيره استقلالا أو اشتراكا فيجازى كلا من* المحسن والمسىء بما يستدعيه عمله من غير صارف يثنيه ولا عاطف يلويه (يا أَهْلَ الْكِتابِ) تكرير للخطاب بطريق الالتفات ولطف فى الدعوة (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ) حال من رسولنا وإيثاره على مبينا لما* مر فيما سبق أى يبين لكم الشرائع والأحكام الدينية المقرونة بالوعد والوعيد ومن جملتها ما بين فى الآيات السابقة من بطلان أقاويلكم الشنعاء وما سيأتى من أخبار الأمم السالفة وإنما حذف تعويلا على ظهور أن مجىء الرسول إنما هو لبيانها أو يفعل لكم البيان ويبذله لكم فى كل ما تحتاجون فيه إلى البيان من أمور الدين وأما تقدير مثل ما سبق فى قوله تعالى (كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) كما قيل فمع كونه تكريرا من غير فائدة يرده قوله عزوجل (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) فإن فتور الإرسال وانقطاع الوحى إنما يحوج إلى بيان* الشرائع والأحكام لا إلى بيان ما كتموه وعلى فترة متعلق بجاءكم على الظرفية كما فى قوله تعالى (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) أى جاءكم على حين فتور الإرسال وانقطاع من الوحى ومزيد احتياج إلى بيان الشرائع والأحكام الدينية أو بمحذوف وقع حالا من ضمير يبين أو من ضمير لكم أى يبين لكم ما ذكر حال كونه على فترة من الرسل أو حال كونكم عليها أحوج ما كنتم إلى البيان ومن الرسل متعلق بمحذوف وقع صفة لفترة أى كائنة من الرسل مبتدأة من جهتهم وقوله تعالى (أَنْ تَقُولُوا) تعليل لمجىء الرسول بالبيان على* حذف المضاف أى كراهة أن تقولوا معتذرين عن تفريطكم فى مراعاة أحكام الدين (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا