(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (٢٠)
____________________________________
نَذِيرٍ) وقد انطمست آثار الشرائع السابقة وانقطعت أخبارها وزيادة من فى الفاعل للمبالغة فى نفى المجىء وتنكير بشير ونذير للتقليل وهذا كما ترى يقتضى أن المقدر أو المنوى فيما سبق هو الشرائع* والأحكام لا كيفما كانت بل مشفوعة بما ذكر من الوعد والوعيد وقوله تعالى (فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) متعلق بمحذوف ينبىء عنه الفاء الفصيحة وتبين أنه معلل به وتنوين بشير ونذير للتفخيم أى لا تعتذروا* بذلك فقد جاءكم بشير أى بشير ونذير أى نذير (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على الإرسال تترى كما فعله بين موسى وعيسى عليهماالسلام حيث كان بينهما ألف وسبعمائة سنة وألف نبى وعلى الإرسال بعد الفترة كما فعله بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسّلام حيث كان بينهما ستمائة سنة أو خمسمائة وتسع وستون سنة أو خمسمائة وست وأربعون سنة وأربعة أنبياء على ما روى الكلبى ثلاثة من بنى إسرائيل وواحد من العرب خالد بن سنان العبسى وقيل لم يكن بعد عيسى عليهالسلام إلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو الأنسب بما فى تنوين فترة من التفخيم اللائق بمقام الامتنان عليهم بأن الرسول قد بعث إليهم عند كمال حاجتهم إليه بسبب مضى دهر طويل بعد انقطاع الوحى ليهشوا إليه ويعدوه أعظم نعمة من الله تعالى وفتح باب إلى الرحمة وتلزمهم الحجة فلا يعتلوا غدا بأنه لم يرسل إليهم من ينبههم من غفلتهم (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) جملة مستأنفة مسوقة لبيان ما فعلت بنو إسرائيل بعد أخذ الميثاق منهم وتفصيل كيفية نقضهم له وتعلقه بما قبله من حيث إن ما ذكر فيه من الأمور التى وصف النبى صلىاللهعليهوسلم ببيانها ومن حيث اشتماله على انتفاء فترة الرسل فيما بينهم وإذ نصب على أنه مفعول لفعل مقدر خوطب به النبى صلىاللهعليهوسلم بطريق تلوين الخطاب وصرفه عن أهل الكتاب ليعدد عليهم ما صدر عن بعضهم من الجنايات أى واذكر لهم وقت قول موسى لقومه ناصحا* لهم ومستميلا لهم بإضافتهم إليه (يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع أنها المقصودة بالذات للمبالغة فى إيجاب ذكرها لما أن إيجاب ذكر الوقت إيجاب لذكر ما وقع فيه بالطريق البرهانى ولأن الوقت مشتمل على ما وقع فيه تفصيلا فإذا استحضر كان ما وقع فيه حاضرا بتفاصيله كأنه مشاهد عيانا وعليكم متعلق بنفس النعمة إذا جعلت مصدرا وبمحذوف وقع حالا منها إذا جعلت اسما أى اذكروا إنعامه عليكم أو اذكروا نعمته كائنة عليكم وكذا* إذ فى قوله تعالى (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ) أى أذكروا إنعامه تعالى عليكم فى وقت جعله أو اذكروا نعمته تعالى كائنة عليكم فى وقت جعله فيما بينكم من أقربائكم أنبياء ذوى عدد كثير وأولى شأن خطير حيث* لم يبعث من أمة من الأمم ما بعث من بنى إسرائيل من الأنبياء (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) عطف على (جَعَلَ فِيكُمْ) داخل فى حكمه أى جعل فيكم أو منكم ملوكا كثيرة فإنه قد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء وإنما حذف الظرف تعويلا على ظهور الأمر أو جعل الكل فى مقام الامتنان عليهم ملوكا لما أن أقارب الملوك يقولون