(يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ) (٢٢)
____________________________________
عند المفاخرة نحن الملوك وإنما لم يسلك ذلك المسلك فيما قبله لما أن منصب النبوة من عظم الخطر وعزة المطلب وصعوبة المنال ليس بحيث يليق أن ينسب إليه ولو مجازا من ليس ممن اصطفاه الله تعالى له وقيل كانوا مملوكين فى أيدى القبط فأنقذهم الله تعالى فسمى إنقاذهم ملكا وقيل الملك من له مسكن واسع فيه ماء جار وقيل من له بيت وخدم وقيل من له مال لا يحتاج معه إلى تكلف الأعمال وتحمل المشاق (وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) من فلق البحر وإغراق العدو وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك مما آتاهم الله تعالى من الأمور العظام والمراد بالعالمين الأمم الخالية إلى زمانهم وقيل من عالمى زمانهم (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) كرر النداء بالإضافة التشريفية اهتماما بشأن الأمر ومبالغة فى حثهم على الامتثال به والأرض هى أرض بيت المقدس سميت بذلك لأنها كانت قرار الأنبياء ومسكن المؤمنين وقيل هى الطور وما حوله وقيل دمشق وفلسطين وبعض الأردن وقيل هى الشأم (الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) * أى كتب فى اللوح المحفوظ أنها تكون مسكنا لكم إن آمنتم وأطعتم لقوله تعالى لهم بعد ما عصوا (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) وقوله تعالى (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) فإن ترتيب الخيبة والخسران على* الارتداد يدل على اشتراط الكتب بالمجاهدة المترتبة على الإيمان والطاعة قطعا أى لا ترجعوا مدبرين خوفا من الجبابرة فالجار والمجرور متعلق بمحذوف هو حال من فاعل (تَرْتَدُّوا) ويجوز أن يتعلق بنفس الفعل قيل لما سمعوا أحوالهم من النقباء بكوا وقالوا يا ليتنا متنا بمصر تعالوا نجعل لنا رأسا ينصرف بنا إلى مصر أو لا ترتدوا عن دينكم بالعصيان وعدم الوثوق بالله تعالى وقوله فتنقلبوا إما مجزوم عطفا على ترتدوا أو منصوب على جواب النهى والخسران خسران الدين والدنيا لا سيما دخول ما كتب لهم (قالُوا) استئناف مبنى نشأ من مساق الكلام كأنه قيل فماذا قالوا بمقابلة أمره عليهالسلام ونهيه فقيل قالوا غير ممتثلين بذلك (يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) متغلبين لا يتأتى منازعتهم ولا يتسنى مناصبتهم والجبار العاتى* الذى يجبر الناس ويقسرهم كائنا من كان على ما يريده كائنا ما كان فعال من جبره على الأمر أى أجبره عليه (وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها) من غير صنع من قبلنا فإنه لا طاقة لنا بإخراجهم منها (فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها) بسبب من الأسباب التى لا تعلق لنا بها (فَإِنَّا داخِلُونَ) حينئذ أتوا بهذه الشرطية مع كون مضمونها* مفهوما مما سبق من توقيت عدم الدخول بخروجهم منها تصريحا بالمقصود وتنصيصا على أن امتناعهم من دخولها ليس إلا لمكانهم فيما وأتوا فى الجزاء بالجملة الاسمية المصدرة بحرف التحقيق دلالة على تقرر