(قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٦)
____________________________________
(أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) أى فقاتلاهم إنما قالوا ذلك استهانة واستهزاء به سبحانه وبرسوله وعدم مبالاة بهما* وقصدوا ذهابهما حقيقة كما ينبىء عنه غاية جهلهم وقسوة قلوبهم وقيل أرادوا إرادتهما وقصدهما كما تقول كلمته فذهب يجيبنى كأنهم قالوا فأريدا قتالهم واقصداهم وقيل التقدير فاذهب أنت وربك يعينك ولا يساعده قوله تعالى (فَقاتِلا) ولم يذكروا هرون ولا الرجلين كأنهم لم يجزموا بذهابهم أو لم يعبأوا بقتالهم وقوله تعالى (إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) يؤيد الوجه الأول وأرادوا بذلك عدم التقدم لا عدم التأخر* (قالَ) عليهالسلام لما رأى منهم ما رأى من العناد على طريقة البث والحزن والشكوى إلى الله تعالى مع رقة القلب التى بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة (رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) عطف على* نفسى وقيل على الضمير فى إنى على معنى إنى لا أملك إلا نفسى وإن أخى لا يملك إلا نفسه وقيل على الضمير فى لا أملك للفصل (فَافْرُقْ بَيْنَنا) يريد نفسه وأخاه والفاء لترتيب الفرق أو الدعاء به على ما قبله (وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) الخارجين عن طاعتك المصرين على عصيانك بأن تحكم لنا بما نستحقه وعليهم بما يستحقونه وقيل بالتبعيد بيننا وبينهم وتخليصنا من صحبتهم (قالَ فَإِنَّها) أى الأرض المقدسة والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من الدعاء (مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) تحريم منع لا تحريم تعبد لا يدخلونها ولا يملكونها لأن كتابتها* لهم كانت مشروطة بالإيمان والجهاد وحيث نكصوا على أدبارهم حرموا ذلك وانقلبوا خاسرين وقوله تعالى (أَرْبَعِينَ سَنَةً) إن جعل ظرفا لمحرمة يكون التحريم موقتا لا مؤبدا فلا يكون مخالفا لظاهر قوله* تعالى (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) فالمراد بتحريمها عليهم أنه لا يدخلها أحد منهم فى هذه المدة لكن لا بمعنى أن كلهم يدخلونها بعدها بل بعضهم ممن بقى حسبما روى أن موسى عليهالسلام سار بمن بقى من بنى إسرائيل إلى أريحا وكان يوشع بن نون على مقدمته ففتحها وأقام بها ما شاء الله تعالى ثم قبض عليهالسلام وقيل لم يدخلها أحد ممن قال لن ندخلها أبدا وإنما دخلها مع موسى عليهالسلام النواشى من ذرياتهم فالموقت بالأربعين فى الحقيقة تحريمها على ذرياتهم وإنما جعل تحريمها عليهم لما بينهما من العلاقة التامة المتاخمة للاتحاد وقوله تعالى (يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) أى يتحيرون فى البرية استئناف لبيان كيفية حرمانهم أو حال من ضمير* عليهم وقيل الظرف متعلق بيتهون فيكون التيه موقتا والتحريم مطلقا قيل كانوا ستمائة ألف مقاتل وكان طول البرية تسعين فرسخا وقد تاهوا فى ستة فراسخ أو تسعة فراسخ فى ثلاثين فرسخا وقيل فى ستة فراسخ فى اثنى عشر فرسخا روى أنهم كانوا كل يوم يسيرون جادين حتى إذا أمسوا إذا هم بحيث ارتحلوا وكان الغمام يظلهم من حر الشمس ويطلع بالليل عمود من نور يضىء لهم وينزل عليهم المن والسلوى ولا تطول شعورهم وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطول بطوله وهذه الإنعامات عليهم مع أنهم معاقبون لما أن عقابهم كان بطريق العرك والتأديب قيل كان موسى وهرون معهم ولكن