(أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (١٠٠)
____________________________________
على وضع المظهر موضع المضمر للإيذان بأن مدار التوبيخ أمن كل طائفة ما أتاهم من البأس لا أمن مجموع الأمم فإن كل طائفة منهم أصابهم بأس خاص بهم لا يتعداهم إلى غيرهم كما سيأتى والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه لا لإنكار الوقوع ونفيه كما قاله أبو شامة وغيره لقوله تعالى (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) والفاء للعطف على أخذناهم وما بينهما اعتراض توسط بينهما للمسارعة إلى بيان أن الأخذ* المذكور مما كسبته أيديهم والمعنى أبعد ذلك الأخذ أمن أهل القرى (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً) أى تبييتا أو وقت بيات أن مبيتا أو مبيتين وهو فى الأصل مصدر بمعنى البيتوتة ويجىء بمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم (وَهُمْ نائِمُونَ) حال من ضميرهم البارز أو المستتر فى بياتا (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) إنكار بعد إنكار للمبالغة فى التوبيخ والتشديد ولذلك لم يقل أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو ضحى وهم* يلعبون وقرىء أو بسكون الواو على الترديد (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) أى ضحوة النهار وهو فى الأصل* ضوء الشمس إذا ارتفعت (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) أى يلهون من فرط الغفلة أو يشتغلون بما لا ينفعهم كأنهم يلعبون (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) تكرير للنكير لزيادة التقرير ومكر الله تعالى استعارة لاستدراجه العبد وأخذه من حيث لا يحتسب والمراد به إتيان بأسه تعالى فى الوقتين المذكورين ولذلك عطف الأول والثالث بالفاء فى الإنكار فيهما متوجه إلى ترتب الأمن على الأخذ المذكور وأما الثانى فمن تتمة الأول* (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) أى الذين خسروا أنفسهم وأضاعوا فطرة الله التى فطر الناس عليها والاستعداد القريب المستفاد من النظر فى الآيات (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها) أى يخلفون من خلا قبلهم من الأمم المهلكة ويرثون ديارهم والمراد بهم اهل مكة ومن حولها وتعدية فعل الهداية باللام إما لتنزيلها منزلة اللازم كأنه قيل اغفلوا ولم يفعل الهداية لهم الخ وإما لأنها بمعنى التبيين* والمفعول محذوف والفاعل على التقديرين هو الجملة الشرطية أى أو لم يبين لهم مآل أمرهم (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أى أن الشأن لو نشاء أصبناهم بجزاء ذنوبهم أو بسبب ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم وقرىء* نهد بنون العظمة فالجملة مفعوله (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) عطف على ما يفهم من قوله تعالى (أَوَلَمْ يَهْدِ) كأنه قيل لا يهتدون أو يغفلون عن الهداية أو عن التفكر والتأمل أو منقطع عنه بمعنى ونحن نطبع ولا يجوز عطفه على (أَصَبْناهُمْ) على أنه بمعنى طبعنا لإفضائه إلى نفى الطبع عنهم لأنه فى سياق جواب لو (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) أى أخبار الأمم المهلكة فضلا عن التدبر والنظر فيها والاغتنام بما فى تضاعيفها من الهداية