(وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (١٥٩)
____________________________________
وترك العظيمة التى كان يدعيها الطاغية ويقبلها منه فئته الباغية وبإرسال بنى إسرائيل من الأسر والقسر وأما العمل بأحكام التوراة فمختص ببنى إسرائيل (جَمِيعاً) حال من الضمير فى إليكم (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) منصوب أو مرفوع على المدح أو مجرور على أنه صفة للجلالة وإن حيل بينهما بما هو متعلق بما أضيف إليه فإنه فى حكم المتقدم عليه وقوله تعالى (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) بيان لما قبله من ملك العالم* كان هو الإله لا غيره وقوله تعالى (يُحيِي وَيُمِيتُ) لزيادة تقرير ألوهيته والفاء فى قوله تعالى (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) لتفريع الأمر على ما تمهد وتقرر من رسالته صلىاللهعليهوسلم وإيراد نفسه عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة على طريقة الالتفات إلى الغيبة للمبالغة فى إيجاب الامتثال بأمره ووصف الرسول بقوله (النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ) لمدحه عليه الصلاة والسلام بهما ولزيادة تقرير أمره وتحقيق أنه المكتوب فى الكتابين* ووصفه بقوله تعالى (الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) أى ما أنزل إليه وإلى سائر الرسل عليهمالسلام من كتبه* ووحيه لحمل أهل الكتابين على الامتثال بما أمروا به والتصريح بإيمانه بالله تعالى للتنبيه على أن الإيمان به تعالى لا ينفك عن الإيمان بكلماته ولا يتحقق إلا به وقرىء وكلمته على إرادة الجنس أو القرآن تنبيها على أن المأمور به هو الإيمان به عليه الصلاة والسلام من حيث أنزل عليه القرآن لا من حيثية أخرى أو على أن المراد بها عيسى عليه الصلاة والسلام تعريضا باليهود وتنبيها على أن من لم يؤمن به لم يعتد بإيمانه (وَاتَّبِعُوهُ) أى فى كل ما يأتى وما يذر من أمور الدين (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) علة للفعلين أو حال من* فاعليهما أى رجاء لاهتدائكم إلى المطلوب أو راجين له وفى تعليقه بهما إيذان بأن من صدقه ولم يتبعه بالتزام أحكام شريعته فهو بمعزل من الاهتداء مستمر على الغى والضلال (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى) كلام مبتدأ مسوق لدفع ما عسى يوهمه تخصيص كتب الرحمة والتقوى والإيمان بالآيات بمتبعى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حرمان أسلاف قوم موسى عليهالسلام من كل خير وبيان أن كلهم ليسوا كما حكيت أحوالهم بل منهم (أُمَّةٌ يَهْدُونَ) أى الناس (بِالْحَقِّ) أى ملتبسين به أو يهدونهم بكلمة الحق (وَبِهِ) أى بالحق* (يَعْدِلُونَ) أى فى الأحكام الجارية فيما بينهم وصيغة المضارع فى الفعلين لحكاية الحال الماضية وقيل هم الذين* آمنوا بالنبى صلىاللهعليهوسلم ويأباه أنه قد مر ذكرهم فيما سلف وقيل إن بنى إسرائيل لما بالغوا فى العتو والطغيان حتى اجترءوا على قتل الأنبياء عليهمالسلام تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله تعالى أن يفرق بينهم وبين أولئك الطاغين ففتح الله تعالى لهم نفقا فى الأرض فساروا فيه سنة ونصفا حتى خرجوا من وراء الصين وهم اليوم هنالك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا وقد ذكر عن النبى صلىاللهعليهوسلم أن جبريل عليهالسلام ذهب به ليلة الإسراء نحوهم فكلمهم فقال جبريل عليهالسلام هل تعرفون من تكلمون قالوا لا قال هذا محمد النبى الأمى فآمنوا به وقالوا يا رسول الله إن موسى أوصانا من أدرك منكم أحمد فليقرأ منى عليهالسلام فرد محمد على موسى السلام عليهماالسلام ثم أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة