(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١٠٧)
____________________________________
الأمر وتربية المهابة ما لا يخفى ووجه تقديم الغيب فى الذكر لسعة عالمه وزيادة خطره على الشهادة غنى عن البيان وقيل إن الموجودات الغائبة عن الحواس علل أو كالعلل للموجودات المحسوسة والعلم بالعلل علة للعلم بالمعلولات فوجب سبق العلم بالغيب على العلم بالشهادة. وعن ابن عباس رضى الله عنهما الغيب ما يسرونه من الأعمال والشهادة ما يظهرونه كقوله تعالى (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) فالتقديم حينئذ لتحقيق أن نسبة علمه المحيط بالسر والعلن واحدة على أبلغ وجه وآكده لا لإيهام أن علمه سبحانه بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه كيف لا وعلمه سبحانه بمعلوماته منزه عن أن يكون بطريق حصول الصورة بل وجود كل شىء وتحققه فى نفسه علم بالنسبة إليه تعالى وفى هذا المعنى لا يختلف الحال بين الأمور البارزة والكامنة وإما للإيذان بأن رتبة السر متقدمة على رتبة العلن إذ ما من شىء يعلن إلا وهو أو مباديه القريبة أو البعيدة مضمر قبل ذلك فى القلب فتعلق علمه تعالى به فى حالته الأولى متقدم على تعلقه به فى حالته الثانية (فَيُنَبِّئُكُمْ) عقيب الرد الذى هو عبارة عن الأمر الممتد إلى يوم القيامة (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قبل* ذلك فى الدنيا والمراد بالتنبئة بذلك الجزاء بحسبه إن خيرا فخير وإن شرا فشر فهو وعد ووعيد (وَآخَرُونَ) عطف على (آخَرُونَ) قبله أى ومن المتخلفين من أهل المدينة ومن حولها من الأعراب قوم آخرون غير المعترفين المذكورين (مُرْجَوْنَ) وقرىء مرجئون من أرجيته وأرجأته أى أخرته ومنه المرجئة الذين* لا يقطعون بقبول التوبة (لِأَمْرِ اللهِ) فى شأنهم. قال ابن عباس رضى الله عنهما هم كعب بن مالك ومرارة* ابن الربيع وهلال بن أمية لم يسارعوا إلى التوبة والاعتذار كما فعل أبو لبابة وأصحابه من شد أنفسهم على السوارى وإظهار الغم والجزع والندم على ما فعلوا فوقفهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونهى أصحابه عن أن يسلموا عليهم ويكلموهم وكانوا من أصحاب بدر فهجروهم والناس فى شأنهم على اختلاف فمن قائل هلكوا وقائل عسى الله أن يغفر لهم فصاروا عندهم مرجئين لأمره تعالى (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ) إن بقوا على ما هم عليه* من الحال وقيل إن أصروا على النفاق وليس بذاك فإن المذكورين ليسوا من المنافقين (وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) إن خلصت نيتهم وصحت توبتهم والجملة فى محل النصب على الحالية أى منهم هؤلاء إما معذبين وإما متوبا عليهم وقيل آخرون مبتدأ ومرجون صفته وهذه الجملة خبره (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوالهم (حَكِيمٌ) * فيما فعل بهم من الإرجاء وما بعده وقرىء والله غفور رحيم (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً) عطف على ما سبق أى ومنهم الذين أو نصب على الذم وقرىء بغيروا ولأنها قصة على حيالها (ضِراراً) أى مضارة للمؤمنين* وانتصابه على أنه مفعول له أو مفعول ثان لا تخذوا أو على أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر منصوب على الحالية أى يضارون بذلك ضرارا أو على أنه مصدر بمعنى الفاعل وقع حالا من ضمير اتخذوا أى مضارين