فضيلته إثر بيان حال المتخلفين عنه ولقد بولغ فى ذلك على وجه لا مزيد عليه حيث عبر عن قبول الله تعالى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم التى بذلوها فى سبيله تعالى وإثابته إياهم بمقابلتها الجنة بالشراء على طريقة الاستعارة التبعية ثم جعل المبيع الذى هو العمدة والمقصد فى العقد أنفس المؤمنين وأموالهم والثمن الذى هو الوسيلة فى الصفقة الجنة ولم يجعل الأمر على العكس بأن يقال إن الله باع الجنة من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم ليدل على أن المقصد فى العقد هو الجنة وما بذله المؤمنون فى مقابلتها من الأنفس والأموال وسيلة إليها إيذانا بتعلق كمال العناية بهم وبأموالهم ثم إنه لم يقل بالجنة بل قيل (بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) مبالغة فى* تقرير وصول الثمن إليهم واختصاصه بهم كأنه قيل بالجنة الثابتة لهم المختصة بهم وأما ما يقال من أن ذلك لمدح المؤمنين بأنهم وبذلوا أنفسهم وأموالهم بمجرد الوعد لكمال ثقتهم بوعده تعالى وأن تمام الاستعارة موقوف على ذلك إذ لو قيل بالجنة لاحتمل كون الشراء حقيقة لأنها صالحة للعوضية بخلاف الوعد بها فليس بشىء لأن مناط دلالة ما عليه النظم الكريم على الوعد ليس كونه جملة ظرفية مصدرة بأن فإن ذلك بمعزل من الدلالة على الاستقبال بل هو الجنة التى يستحيل وجودها فى الدنيا ولو سلم ذلك يكون العوض الجنة الموعود بها لا الوعد بها (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) استئناف لكن لا لبيان ما لأجله الشراء ولا لبيان* نفس الاشتراء لأن قتالهم فى سبيل الله تعالى ليس باشتراء الله تعالى منهم أنفسهم وأموالهم بل هو بذل لهما فى ذلك بل لبيان البيع الذى يستدعيه الاشتراء المذكور كأنه قيل كيف يبيعون أنفسهم وأموالهم بالجنة فقيل يقاتلون فى سبيل الله وهو بذل منهم لأنفسهم وأموالهم إلى جهة الله سبحانه وتعريض لهما للهلاك وقوله تعالى (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) بيان لكون القتال فى سبيل الله بذلا للنفس وأن المقاتل فى* سبيله باذل لها وإن كانت سالمة غانمة فإن الإسناد فى الفعلين ليس بطريق اشتراط الجمع بينهما ولا اشتراط الاتصاف بأحدهما البتة بل بطريق وصف الكل بحال البعض فإنه يتحقق القتال من الكل سواء وجد الفعلان أو أحدهما منهم أو من بعضهم بل يتحقق ذلك وإن لم يصدر منهم أحدهما أيضا كما إذا وجدت المضاربة ولم يوجد القتل من أحد الجانبين أو لم توجد المضاربة أيضا فإنه يتحقق الجهاد بمجرد العزيمة والنفير وتكثير السواد وتقديم حالة القاتلية على حالة المقتولية للإيذان بعدم الفرق بينهما فى كونهما مصداقا لكون القتال بذلا للنفس وقرىء بتقديم المبنى للمفعول رعاية لكون الشهادة عريقة فى الباب وإيذانا بعدم مبالاتهم بالموت فى سبيل الله تعالى بل بكونه أحب إليهم من السلامة كما قيل فى حقهم[لا يفرحون إذا نالت رماحهم * قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا] * [لا يقطع الطعن إلا فى نحورهم * وما لهم عن حياض الموت تهليل] وقيل فى يقاتلون الخ معنى الأمر كما فى قوله تعالى (تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ (وَعْداً عَلَيْهِ) مصدر مؤكد لما يدل عليه كون الثمن مؤجلا (حَقًّا) نعت لوعدا* والظرف حال منه لأنه لو تأخر لكان صفة له وقوله تعالى (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) متعلق بمحذوف* وقع صفة لوعدا أى وعدا مثبتا فى التوراة والإنجيل كما هو مثبت فى القرآن (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) * اعتراض مقرر لمضمون ما قبله من حقية الوعد على نهج المبالغة فى كونه سبحانه أوفى بالعهد من كل واف