(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٦)
____________________________________
بهذا السؤال من أن القرآن كلامه صلىاللهعليهوسلم ولذلك قيد التبديل فى الجواب بقوله من تلقاء نفسى وسماه عصيانا عظيما مستتبعا لعذاب عظيم بقوله تعالى (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) فإنه تعليل* لمضمون ما قبله من امتناع التبديل واقتصار أمره صلىاللهعليهوسلم على اتباع الوحى أى أخاف إن عصيته تعالى بتعاطى ما ليس لى من التبديل من تلقاء نفسى والإعراض عن اتباع الوحى عذاب يوم عظيم هو يوم القيامة أو يوم اللقاء الذى لا يرجونه وفيه إشعار بأنهم استوجبوه بهذا الاقتراح والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم لنهويل أمر العصيان وإظهار كمال نزاهته صلىاللهعليهوسلم عنه وإيراد اليوم بالتنوين التفخيمى ووصفه بالعظم لتهويل ما فيه من العذاب وتفظيعه ولا مساغ لحمل مقترحهم على التبديل والإتيان بقرآن آخر من جهة الوحى بتفسير قوله تعالى (ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) بأنه لا يتسهل لى أن أبدله بالاستدعاء من جهة الوحى ما أتبع إلا ما يوحى إلى من غير صنع ما من الاستدعاء وغيره من قبلى لأنه يرده التعليل المذكور لا لأن المقترح حينئذ ليس فيه معصية أصلا كما توهم فإن استدعاء تبديل الآيات النازلة حسبما تقتضيه الحكمة التشريعية بعضها ببعض لا سيما بموجب اقتراح الكفرة مما لا ريب فى كونه معصية بل لأنه ليس فيه معصية الافتراء مع أنها المقصودة بما ذكر فى التعليل ألا يرى إلى ما بعده من الآيتين الكريمتين فإنه صريح فى أن مقترحهم الإتيان بغير القرآن وتبديله بطريق الافتراء وأن زعمهم فى الأصل أيضا كذلك وقوله عزوجل(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ) تحقيق لحقية القرآن وكونه من عند الله تعالى إثر بيان بطلان ما اقترحوا الإتيان به واستحالته عبارة ودلالة وإنما صدر بالأمر المستقل مع كونه داخلا تحت الأمر السابق إظهارا لكمال الاعتناء بشأنه وإيذانا باستقلاله مفهوما وأسلوبا فإنه برهان دال على كونه بأمر الله تعالى ومشيئته كما سيأتى وما سبق مجرد إخبار باستحالة ما اقترحوه ومفعول شاء محذوف ينبىء عنه الجزاء لا غير ذلك كما قيل فإن مفعول المشيئة إنما يحذف إذا وقعت شرطا وكان مفعولها مضمون الجزاء ولم يكن فى تعلقها به غرابة كما فى قوله [ولو شئت أن أبكى دما لبكيته] حيث لم يحذف لفقدان الشرط الأخير ولأن المستلزم للجزاء أعنى عدم تلاوته صلىاللهعليهوسلم للقرآن عليهم إنما هو مشيئته تعالى له لا مشيئته لغير القرآن والمعنى أن الأمر كله منوط بمشيئته تعالى وليس لى منه شىء قط ولو شاء عدم تلاوتى له عليكم لا بأن شاء عدم تلاوتى له من تلقاء نفسى بل بأن لم ينزله على ولم يأمرنى بتلاوته كما ينبىء عنه إيثار التلاوة على القراءة ما تلوته عليكم (وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) أى ولا أعلمكم* به بواسطتى والتالى وهو عدم التلاوة والإدراء منتف فينتفى المقدم أعنى مشيئة عدم التلاوة ولا يخفى أنها مستلزمة لعدم مشيئة التلاوة قطعا فانتفاؤها مستلزم لانتفائه حتما وانتفاء عدم مشيئة التلاوة إنما يكون بتحقق مشيئة التلاوة فثبت أن تلاوته صلىاللهعليهوسلم للقرآن بمشيئته تعالى وأمره وإنما قيدنا الإدراء بكونه